أكد الدكتور يسري جبر، أحد علماء الأزهر الشريف، أن من لطائف تربية النفس في التراث الروحي الإسلامي ما يُعرف بمخاطبة النفس الأمارة بالسوء ومساومتها على الطاعة، موضحًا أن الإنسان قد يعد نفسه بمكافآت دنيوية إذا أقدمت على طاعة شاقة، كأن يعدها بالطعام الذي تشتهيه أو بنزهة أو راحة بعد الالتزام بعبادة صعبة كقيام الليل أو صيام التطوع، وذلك من باب ترويض النفس وحملها على ما تحبه الشريعة وإن كانت تنفر منه بطبعها.
هل يأثم من قال "إن شاء الله" لفعل أمر وفي نيته عدم الوفاء؟
وبيّن الدكتور يسري جبر، خلال تصريحات تلفزيونية اليوم، الجمعة، أن النفس الأمارة تشبه في طبيعتها نفس الطفل، تطلب اللذة العاجلة وتملّ من التكليف، ولذلك يعاملها العارفون بالله كما يُعامل الأب ابنه، فيعده بالمكافأة إن اجتهد، وقد يماطله أحيانًا حتى تتعلم النفس أن الشهوات لا تُنال إلا بثمن من الطاعة، فتسكت عن الإلحاح وتخضع للتوجيه، مؤكدًا أن هذا الأسلوب مقصوده تهذيب النفس لا التحايل على الدين.
وأوضح الدكتور يسري جبر، أن استعمال عبارة «إن شاء الله» في مثل هذه الوعود جعل الأمر غير مُلزِم شرعًا وهذا غير صحيح، وهو ما فطن له حتى الأطفال في فطرتهم، لما تقول له إن شاء الله يفهم إنك لن تفي بوعدك، مشيرًا إلى أن الإنسان قد يفي لنفسه أحيانًا ويخالفها أحيانًا أخرى، حتى تنكسر شدة تعلقها بالشهوة، ولا تعود عائقًا بين العبد وبين ربه، معتبرًا أن هذه الطريقة من وسائل التربية الروحية المعروفة عند أهل السلوك.
وأشار الدكتور يسري جبر إلى أن الصوفية شبّهوا تربية النفس بمعاملة الزوجة العصيّة التي تحتاج إلى وعد ومدح وتلطف حتى تُعطي ما يُراد منها من استقامة، لا ما تريده هي من هوى، لافتًا إلى أن المقصود من ذلك تسخير طاقات النفس في طاعة الله لا إطلاق العنان لها، وأن هذا الأسلوب لا يُقاس عليه في معاملة الناس، وإنما يظل محصورًا في مجاهدة النفس ورياضتها.
وحذّر الدكتور يسري جبر من الكذب بأي صورة، مذكرًا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يزال العبد يكذب ويتحرى الكذب حتى يُكتب عند الله كذابًا، ولا يزال يصدق ويتحرى الصدق حتى يُكتب عند الله صديقًا»، موضحًا أن مقام الصديقية مقام عالٍ من مقامات الإيمان، داعيًا إلى التزام الصدق أصلًا، وعدم الخروج عنه إلا بفقه وضوابط دقيقة، سائلًا الله تعالى أن يوفق الجميع إلى الصدق والاستقامة.
