في ظل التقلبات الحادة التي يشهدها سوق السيارات العالمي، يبرز تساؤل جوهري حول جدوى استمرار جنرال موتورز في إنتاج شاحناتها الكهربائية، خاصة بعد أن قررت "فورد" إيقاف إنتاج "F-150 Lightning" —الشاحنة الأكثر مبيعًا في أمريكا سابقًا— وبعد تراجع "رام" عن خططها الكاملة للتحول الكهربائي في شاحنة "1500 REV".
وبينما تبدو الساحة خاليةً إلا من أسماء قليلة مثل تسلا وريفيان، تجد جنرال موتورز نفسها أمام خيار صعب؛ فإما المضي قدمًا في استراتيجيتها "الكهربائية بالكامل" أو تقليص الخسائر والعودة إلى الجذور التقليدية التي تدر أرباحًا مضمونة.
مبيعات خذلت التوقعات وضغوط استثمارية هائلة
رغم الطموحات الكبيرة، كشفت أرقام عام 2025 عن واقع قاسم لجنرال موتورز؛ حيث سجلت مبيعات "سيلفرادو EV" حوالي 9,379 وحدة فقط في الأشهر التسعة الأولى من العام، بينما لم تتجاوز مبيعات "جي إم سي سييرا EV" حاجز 6,147 وحدة.
هذه الأرقام المتواضعة تجعل من الصعب تبرير الاستثمارات المليارية التي ضختها الشركة في منصة "Ultium"، خاصة وأن المنافسين مثل تسلا "سايبرتراك" لا يزالون يستحوذون على حصة الأسد من اهتمام الجمهور، مما يضع جنرال موتورز في موقف يتطلب إعادة تقييم شاملة لعدد الطرازات التي تقدمها في هذه الفئة.
هومر EV: النقطة المضيئة في سماء "GM" المظلمة
على عكس التراجع في الفئات التجارية، حققت عائلة "هومر EV" (الشاحنة والـ SUV) نجاحًا نسبيًا ملحوظًا، حيث جذبت أكثر من 13,000 مشترٍ خلال نفس الفترة.
هذا التباين يشير إلى أن المستهلك لا يبحث بالضرورة عن شاحنة عمل كهربائية، بل يميل نحو المركبات التي تقدم "تصريحًا بالشخصية" والأداء المتطرف. هذا النجاح قد يدفع جنرال موتورز إلى "تبسيط" أسطولها عبر التركيز على طرازات النخبة ذات هوامش الربح العالية، والتخلي تدريجيًا عن الشاحنات الكهربائية المخصصة للأعمال الشاقة التي لا تزال تعاني من تحديات المدى والسعر.
تراجع الطموحات والعودة إلى المحركات التقليدية
بدأت ملامح التغيير تظهر فعليًا في تصريحات قيادات جنرال موتورز نهاية عام 2025؛ حيث تراجعت الشركة عن وعودها بالتحول الكهربائي الكامل بحلول 2035، مؤكدةً أنها الآن في موقع قوي لتلبية الطلب المستدام على محركات الاحتراق الداخلي.
هذا التحول الاستراتيجي انعكس إيجابًا على أسهم الشركة، مما يشير إلى أن المستثمرين يفضلون "الواقعية الربحية" على "الأحلام البيئية" المكلفة.
إن إغلاق بعض خطوط إنتاج الشاحنات التجارية الكهربائية وتسريح مئات العمال يمثل دليلًا عمليًا على أن "GM" بدأت بالفعل في سحب القابس عن بعض مشاريعها الكهربائية غير المجدية.
رهان 2026: هل تنقذ النسخ الهجينة الموقف؟
يرى خبراء الصناعة أن مستقبل جنرال موتورز في قطاع الشاحنات قد يكمن في "الحلول الوسط"، تمامًا كما فعلت رام عبر تقديم محركات تعمل كمولدات للطاقة (Range Extenders).
وبدلاً من الإلغاء الكامل، قد نرى توجهًا نحو دمج تقنيات الهايبرد في موديلات سيلفرادو وسييرا 2026، مما يمنح العميل القوة الكهربائية دون "قلق المدى" المرتبط بالشحن.
إن استمرار جنرال موتورز في المنافسة يتطلب ذكاءً تسويقيًا يتجاوز مجرد طرح بطاريات ضخمة، بل يحتاج إلى تقديم قيمة حقيقية تجعل العميل يثق في أن شاحنته لن تخذله وسط المهمة، وهو ما تفعله محركات البنزين ببراعة حتى الآن.