في مشهد يتكرر على نحو مقلق داخل عدد من القرى بمحافظات متفرقة، تحولت منازل يفترض أنها ملاذ آمن لأصحابها إلى مصدر تهديد يومي، بعدما سقط بعضها فجأة وتصدع البعض الآخر دون إنذار مسبق، وجد الأهالي تفسيرًا واحدًا حاضرًا بقوة: “النمل الأبيض”.
الحشرة التي تسللت إلى البيوت في صمت، ونهشت أخشابها من الداخل، تاركة الجدران هشة والسقوف على وشك الانهيار.
حالة من الذعر سادت بين المواطنين، خاصة مع تداول قصص متشابهة عن منازل بدت سليمة من الخارج، لكنها كانت خاوية من الداخل، ما فتح الباب أمام تساؤلات واسعة حول مدى خطورة هذه الحشرة، وهل باتت قادرة فعليًا على إسقاط البيوت، أم أنها مجرد شماعة تعلق عليها أزمة أعمق تتعلق بتهالك المباني وغياب الصيانة؟
ومع تصاعد الاتهامات الشعبية للنمل الأبيض باعتباره “الفاعل الخفي”، دخل المتخصصون، مقدمين رؤى علمية مختلفة تقلل أحيانًا من حجم الاتهام، وتؤكد أن أضرار النمل الأبيض رغم خطورتها الاقتصادية لا تتحول بالضرورة إلى كارثة إنشائية إلا في ظروف بعينها، ترتبط بقدم المباني، ورداءة الأخشاب، وارتفاع نسب الرطوبة، وسوء أنظمة الصرف.
ملتهم الأخشاب| أستاذ نبات: النمل الأبيض لا يهدم المباني.. وهذه طرق اكتشافه
وقالت الدكتورة فاطمة الزهراء حسين أستاذ مساعد بقسم وقاية النبات تخصص حشرات اقتصادية، إن النمل الأبيض يتغذى بشكل أساسي على الخشب، ولا يمكنه التسبب في سقوط المباني إلا في حالات نادرة تتوافر فيها ظروف معينة، أبرزها أن يكون المبنى قديمًا ويحتوي على أخشاب متهالكة ومصابة بالفعل.
وأكدت الدكتورة فاطمة الزهراء، في تصريحات خاصة لموقع صدى البلد، أن حدوث أضرار جسيمة يتطلب وجود طوائف كبيرة جدًا من النمل الأبيض، أو ما يعرف بـ "عشائر ضخمة"، تعيش لفترات طويلة داخل الخشب المتآكل، وهو ما يفسر خطورته في بعض المنازل القديمة دون غيرها.
النمل الأبيض ضرره اقتصادي وليس صحيًا
وأوضحت أن أضرار النمل الأبيض تقتصر على الجانب الاقتصادي فقط، نتيجة تلف الأبواب والأسقف والأثاث الخشبي، مشددة على أنه لا يمثل خطرًا صحيًا مباشرًا على الإنسان ولا يسبب أمراضًا.
وأضافت أن النمل الأبيض يعيش داخل الخشب أو في أي بيئة خشبية مناسبة، ويمكن ملاحظة وجوده من خلال ظهور نشارة الخشب أو تكتلات خشبية غير طبيعية حول أماكن الإصابة.
وأشارت إلى أن الأخشاب الحديثة غالبًا ما تكون مدهونة بمواد واقية تمنع إصابتها بالنمل الأبيض، لافتة إلى أن الخشب القديم المتآكل، مع ارتفاع نسبة الرطوبة ودرجات الحرارة، يمثل البيئة المثالية لانتشار هذه الحشرة.
الحرق حل أخير في الإصابات الشديدة
وأوضحت أن مكافحة النمل الأبيض تتم من خلال استخدام مبيدات متخصصة، إلى جانب سد وحقن الثقوب الموجودة في الخشب لمنع وصول الحشرات إليه، فضلًا عن استخدام خلطات كيميائية مخصصة، مؤكدة أن حرق الأخشاب المصابة يعد حلًا ضروريًا في بعض الحالات.
مبيدات متخصصة وسد الثقوب لمكافحة النمل الأبيض
وأكدت أنه عند اكتشاف الإصابة لأول مرة، يجب اللجوء فورًا إلى المعالجة بالمبيدات أو التخلص من الجزء المصاب بالحرق، مشددة على أنه لا توجد وسائل وقاية كاملة، وإنما يظل التعامل السريع مع ظهور أي أعراض مثل نشارة الخشب هو الحل الأمثل.
وشددت على ضرورة الاستعانة بمتخصصي مكافحة الحشرات فور ملاحظة أي دلائل على الإصابة، محذرة من انتقال النمل الأبيض من مكان لآخر في حال تجاهل المشكلة أو الاعتماد على حلول غير متخصصة.