تحل علينا اليوم الأربعاء ذكرى رحيل رائد الصحافة المصرية محمد التابعي، أحد أبرز أعلام صاحبة الجلالة، وصاحب مدرسة صحفية متفردة تركت أثرًا بالغًا في تاريخ الصحافة العربية على مدى ما يقرب من نصف قرن.
وُلد محمد التابعي محمد وهبة في 18 مايو عام 1896 بمنطقة الجميل بشاطئ بورسعيد، أثناء قضاء أسرته، المنتمية إلى مدينة السنبلاوين بمحافظة الدقهلية، إجازة فصل الصيف هناك.
تلقى تعليمه الابتدائي بمدرسة المنصورة الأميرية عام 1912، ثم انتقل إلى القاهرة فالتحق بالمدرسة السعيدية الثانوية، ودرس لفترة بمدرسة داخلية في محرم بك بالإسكندرية، وحصل على التوجيهية عام 1917، ثم التحق بكلية الحقوق بالقاهرة.
انقطع عن الدراسة فترة عمل خلالها موظفًا بوزارة التموين في السويس، ثم بمصلحة السجون، قبل أن يعمل مترجمًا في سكرتارية مجلس النواب بالقاهرة، ليعود بعدها ويستكمل دراسته ويتخرج في كلية الحقوق عام 1923.
بدأ التابعي مسيرته الصحفية ناقدًا فنيًا في جريدة "الإجيبسيان جازيت" الصادرة بالإنجليزية بالقاهرة، وكان يوقع مقالاته باسم مستعار هو "حِندس"، خوفًا من المساءلة الوظيفية، ولفت الأنظار مبكرًا عندما نشر في جريدة "الأهرام" أولى مقالاته النقدية عن مسرحية "غادة الكاميليا"، ثم توالت كتاباته في عدد من الصحف من بينها "أبو الهول" و"السياسة" و"النظام".
وفي عام 1925، انضم إلى مجلة "روز اليوسف" بدعوة من السيدة فاطمة اليوسف، ثم تولى رئاسة تحريرها اعتبارًا من عام 1928، محولًا إياها من مجلة فنية أدبية إلى مجلة سياسية، وظل على رأس تحريرها ست سنوات حتى عام 1934، شهدت خلالها المجلة ازدهارًا واسعًا وتأثيرًا ملحوظًا في الحياة السياسية.
وفي 15 يوليو 1934، أصدر مجلة "آخر ساعة"، ثم شارك عام 1936 مع محمود أبو الفتح وكريم ثابت في إصدار جريدة "المصري".
وكان الصحفي المصري الوحيد الذي رافق العائلة الملكية في رحلتها الطويلة إلى أوروبا عام 1937، ما أتاح له الاقتراب من مصادر القرار ومتابعة العديد من الأحداث التاريخية آنذاك.
التحق محمد التابعي بدار "أخبار اليوم" عام 1952 مديرًا لتحرير جريدة "الأخبار"، ثم اختير لاحقًا رئيسًا لمجلس إدارة دار أخبار اليوم عقب تأميم الصحف في أوائل الستينيات، وظل يكتب مقالاته الأسبوعية ويومياته الصحفية في "الأخبار" و"آخر ساعة".
وإلى جانب عطائه الصحفي، قدّم للمكتبة العربية رصيدًا ثريًا من المؤلفات، من أبرزها: "من أسرار الساسة والسياسة"، "بعض من عرفت"، "أسمهان تروي قصتها"، "ألوان من القصص"، "عندما نحب"، "لماذا قُتل؟"، "رسائل وأسرار"، "حكايات من الشرق والغرب"، و"صالة النجوم".
كما تحولت عدد من أعماله إلى أفلام سينمائية ومسلسلات تليفزيونية ومسرحيات، وظهرت شخصيته في أعمال درامية جسدها عدد من كبار الفنانين.
ويُعد محمد التابعي بحق أسطورة من أساطير الصحافة المصرية، وأحد أبرز من عملوا في بلاط صاحبة الجلالة، وتتلمذ على يديه جيل كامل من كبار الصحفيين، من بينهم مصطفى وعلي أمين، وكامل الشناوي، وإحسان عبد القدوس، وأحمد رجب.
وأسدل الستار على مسيرته الصحفية الثرية برحيله في 24 ديسمبر عام 1976، بعد أن ترك بصمة راسخة وإرثًا مهنيًا وفكريًا ظل حاضرًا في ذاكرة الصحافة والثقافة المصرية.