تناول السفير أحمد رشيد خطابي، الأمين العام المساعد ورئيس قطاع الإعلام والاتصال، في افتتاحية العدد 29 من مجلة "بيت العرب", الصادرة عن الأمانة العامة لجامعة الدول العربية (قطاع الإعلام والاتصال) بشكل دوري كل ثلاثة أشهر، موضوع "اللغة العربية .. وتحديات الزمن الرقمي"، مسلطاً الضوء على مكانة اللغة العربية في العصر الحديث والتحديات التي تواجهها في ظل التحولات الرقمية والثقافية.
وجاءت الكلمة بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، الذي يصادف 18 ديسمبر، اليوم الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة، في عام 1973، اللغة العربية لغة رسمية بمبادرة مغربية وبالتصويت بالإجماع.
وقد نظم الاحتفال لسنة 2025 تحت شعار: "مسارات مبتكرة للغة العربية"، في إطار تسليط الضوء على مكانة اللغة العربية وأهميتها في العالم العربي، حيث يتحدث بها حوالي 467 مليون نسمة.
وأشار السفير خطابي إلى أن اللغة العربية، التي طالما وصفها شاعر النيل حافظ إبراهيم بالعقم، والتي تعرضت لتحديات تاريخية واجتماعية وإيديولوجية مقابل تمجيد لغات أخرى مثل الإنجليزية والفرنسية والإسبانية، تواجه اليوم تحديات جديدة ذات صلة بالعولمة، والحفاظ على الهوية الثقافية، وتعزيز التنافسية في الخريطة اللغوية العالمية، لا سيما في سياق تحولات الزمن الرقمي وسرعة انتشار التكنولوجيا الحديثة.
ومن هذا المنطلق، شدد السفير على ضرورة وضع خطط وسياسات ناجعة لتقويم المناهج التربوية وتعزيز التأهيل اللغوي، إلى جانب تشجيع صناعة محتوى عربي مبتكر وملائم للعصر الرقمي، في ظل انتشار العاميات والمفردات اللاتينية والهجينة، لا سيما مع خضوع هذا المحتوى للترجمة الآلية، وما يترتب على ذلك من انعكاسات سلبية على نقاء البنية اللغوية ونمطية التفكير، خاصة لدى الشباب باعتبارهم الشريحة الأكثر استخداماً لمنصات التواصل الاجتماعي.
كما أكد السفير أن المحتوى العربي على شبكة الإنترنت لا يزال يشكل نسبة ضئيلة، إذ تشير تقديرات منظمة "اليونسكو" لعام 2025 إلى أن اللغة العربية تمثل نحو 3% فقط من إجمالي المحتوى الرقمي، وهذا يستدعي استثمار الفرص الواعدة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي على مستوى تطوير المحتوى والخدمات التقنية، إلى جانب التحسن النسبي للتعليم الإلكتروني، والتحول الرقمي الذي تشهده مجموعة من الدول العربية.
وشدد السفير على أن اللغة، أي لغة، تعد مكوناً أساسياً للهوية الوطنية وأداة لا غنى عنها للسيادة، ومن ثم فإن الجهد الجماعي مطلوب لجعل اللغة العربية لغة منتجة للمعرفة، ومتفاعلة مع التطور التكنولوجي، ومنسجمة مع روح العصر، بعيداً عن الأساليب التقليدية والانكفاء اللغوي.
وأشار إلى أن لغة الضاد، هذه اللغة العريقة والثرية، ترمز إلى إرث روحي وفكري وإبداعي كبير، ترك إسهامات ملهمة في بناء الحضارة الإنسانية، وتظل من دعائم نجاح أي مشروع نهضوي وتنموي حقيقي، كما أنها تمثل قاسماً مشتركاً راسخاً بين البلدان العربية، في وقت يسمح فيه الاتحاد الأوروبي باستخدام 24 لغة رسمية وأكثر من 200 لغة غير رسمية.
وختم السفير خطابه بالتأكيد أن مستقبل اللغة العربية يبقى، أولاً وأخيراً، بأيدي الناطقين بها، بالاعتماد على قدراتهم الخلاقة في الانفتاح على اللغات الحية والثقافات العالمية، واحترام التعددية اللغوية والثقافات الوطنية بروافدها المختلفة في العالم العربي، لضمان استمرار اللغة العربية لغة حية، منتجة للمعرفة، ومتفاعلة مع روح العصر الرقمي، قادرة على مواجهة التحديات الحديثة والحفاظ على إرثها العريق.