بداية نطرح سؤالا قد يكون مهما ، هل الإنسان يهرب من واقعه الذي يحياه بكل متغيراته ومتناقضاته ومشكلاته وهمومه ، إلى المنجمين والكهنة والعرافين وقارئوا الكف والفنجان وضرب الودع ، هل هذا سيغنيهم ويكفيهم عن مواجهة مشكلاتهم والتصدي لها بالطرق الصحيحة ومحاولة تقديم حلول واقعية بعيدا عن الدجل والشعوذة.
وبعيدا عن استغلال هؤلاء الأدعياء الذين يلعبون بالبيضة والحجر مستغلين جهل الناس بأحكام دينهم وبأمور الدين الذي يرفض الكهانة والدجل والسحر.
خصوصا أن الدين الإسلامي وضع محاذير وضوابط شرعية لكل من يخالف ويشذ عن منهجه القويم.
يقول الله تعالى(ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء)
وقوله تعالى( واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله)
وقول النبي صلى الله عليه وسلم (من أتى كاهنا أو عرافا فقد كفر بما أنزل على محمد).
ورب واحد يقول أن السحر والأعمال حدثنا عنها القرآن ، نرد فنقول ، نعم موجود الداء وأخبر عنه الله تعالى ، لكن الله تعالى أعطانا الدواء قائلا (إن ما جئتم به السحر فإن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين)
ورب واحد آخر يقول ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قد سحر ، نقول نعم ، وهو المعصوم ، لكن الله أراد من وراء ذلك أخبارنا أن هؤلاء السحرة الأبالسة موجودون في كل زمان ومكان.
لكن في نفس الوقت أعطانا الله تعالى آيات التحصينات التي تطرد السحر وتفك الأعمال وتهلك المردة من الجن.
أعطانا آية الكرسي في سورة البقرة ، ومنحنا المعوذتين والإخلاص.
ليس هذا وحسب بل أن النبي صلى الله عليه وسلم علمنا كيفية الوقاية من هذه الشرذمة الضآلة وعلمنا كيف نحصن أنفسنا فقال (تحصنت بذي العزة والجبروت واعتمدت على رب الملكوت وتوكلت على الحي الذي لا يموت اصرف عنا الأذى إنك على كل شيء قدير).
إذن هذا هو طريق الوقاية والعلاج ، لكن أن يهرب الإنسان من همومه ومشكلاته وحياته ويتجه إلى حياة الأوهام فيذهب إلى هؤلاء الذين ينسجون له عالما من الأوهام ، عالم افتراضي موازي لعالمه مع فوارق جوهرية ، فما أن يعود من عالمه الوهمي حتى يعاود الاصطدام بواقعه ، فيعود أسوأ مما كان .
فيصاب إما بالمرض النفسي فيودع فى المصحات النفسية فيصير حقلا لتجارب الطب النفسي أو ينزوي عن المجتمع فيكون حاله حال الحي المائت.
أو يتجه وجهة أخرى دون أن يعي ما يفعل فيقدم على الانتحار فيفقد حياته دون أن يدري ، لأنه تحول من منطقة الوعي الذاتي إلى اللاوعي الذي وضعته فيه الأوهام.
ولدينا شواهد كثيرة وقعت في عالمنا المعيش ، فهناك حالات لأمراض نفسية امتلأت بها المصحات النفسية ، وهناك حالات انتحار كثيرة ، وهناك من امتد سلوكهم إلى الغير فألحقوا بهم الأذى ، فنجد من قتل أولاده ظنا منهم أنهم يريحونه من متاعب الحياة وصعابها.
وهناك مثلا من تأخرت فى الزواج فذهب بها ذويها إلى هؤلاء الدجلة وداروا في دوائر مفرغة ، كل الهدف منها أن يجدوا مخرجا ، فأضحوا ضحايا لهؤلاء الشياطين ، شياطين الإنس الذين استغلوهم وذويهم أسوأ استغلال.
وهناك من ارتمى في أحضان الأبراج وقراءة الطالع ، والفأل الحسن والفأل النحس.
وعطلوا مصالحهم واشغالهم وتوقفوا عن دراساتهم وتجارتهم لمجرد أن سمعوا هذا المنجم يطل بوجهه القبيح على شاشات التلفاز أو مواقع التواصل ، مرعبا الناس ، فيقول مثلا ، سيقع اليوم فى المكان الفلاني مكروه فلا تخرجوا من بيتوكم ، وقد يصادف قوله ذات مرة ، لكنه سيكذب مرات كثيرة ، فيعطيه بعض ضعاف الإيمان عقولهم ويستمعون إليه ، بل ويذهبون إليه ويغدقون عليه العطايا من أجل أن يخبرهم بما سيحدث لهم في أيامهم ولياليهم.
لذلك أقول لمن يفعل ذلك ويلقي بأيديه إلى التهلكة ، إن ما تفعلونه سيقودكم إلى الهلاك وإلى التيه والضلال ، وسيوقعكم في بئر سحيق من الأوهام ولن تستطيعوا النجاة منها، فلا تلقوا بأنفسكم فى التهلكة ، واعلموا أن أموركم جميعها بيد الله ، لا عراف ولا كاهن ولا ساحر سيغير مكتوب عليكم ولن يردوا قدرا ، وإنما أقداركم بيد الله تعالى ، وما أصابنا لن يخطئنا أبدا ، وأن الرزق في شتى صوره وطرق الوصول إليه بيد الله تعالى.
واعلموا أنه لو اجتمع الانس والجن على أن يضرونا أو ينفعونا بشئ فلن يستطيعوا فعل ذلك إلا بقدرة الله سبحانه وتعالى.
وقبل أن انتهي من مقالتي ، ضرورة ملحة أن أفرق بين التنجيم ، وعلم أحكام النجوم.
التنجيم ما تحدثت عنه .أما علم أحكام النجوم ، فهو علم الفلك ، الذي قال عنه الله تعالى (والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون)
(تبارك الذي جعل فى السماء بروجا)
( وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتعلملوا عدد السنين والحساب)
فعلم الفلك من العلوم المهمة الذي نستخدمه في معرفة مواسم الزراعة والحصاد وفصول السنة والمد والجزر ومعرفة اتجاهات السير فى الطرقات عبر ما يسمى مجموعة الدب القطبي ( مدقات الطرق فى الجبال والقفار فى الليالي المظلمة)
مصداقا لقوله تعالى ( وعلامات وبالنجم هم يهتدون)
وفى الختام أهيب بالمسؤولين عن الإعلام لا أقول في مصر فقط بل في وطننا العربي ، خصوصا الإعلامي المرئي لا تعطوا فرصة لهؤلاء الدجلة ولا تظهروهم على شاشاتكم.
ليس هذا وحسب بل وانصحكم باستضافة أساتذة من علماء الدين وعلماء الاجتماع وعلم النفس لكشف هؤلاء وتعريتهم أمام المشاهدين.
وانصح الصحف والمواقع الإلكترونية ألا تكف عن ملاحقة هؤلاء من خلال فضحهم وكشفهم أمام الرأي العام.
أيضا أهيب برجال الأمن التربص بهؤلاء وملاحقتهم أمنيا في أوكارهم من أجل تخليص البلاد والعباد من شرورهم.