مجزرة بورسعيد.. هل نستوعب الدرس ؟

كل الشعب المصرى ينتظر الكشف عن جميع المجرمين الضالعين فى مجزرة ستاد بورسعيد، من نفذوا ومن خططوا ومن حرضوا ومن تهاونوا ومن اهملوا، وكلنا لن نهدأ حتى نرى هؤلاء يدفعون ثمن جريمتهم البشعة التى ادمت قلوب المصريين جميعا.
لكن لا يجب ان ننسى ونحن نبحث عن هؤلاء المجرمين اننا جميعا نتحمل مسئولية ما حدث، وما قد يحدث لا قدر الله اذا لم نقف وقفة حاسمة وصادقة مع انفسنا نعترف فيها باخطائنا او خطايانا فى حق الشباب والاطفال الذين ندفع بهم لطريق مجهول اذا لم نراجع كل ما نحن فيه من انهيار اخلاقى.
لا اريد ان اتحدث بأسلوب انشائى او خطابى ولا اقوم بدور الواعظ الذى يلقى خطبا عصماء قد لا تستهوى الكثيرين، لكن اريد ان اؤكد ان هذه الجريمة البشعة وراءها مجرمون مباشرون وهم من خططوا ونفذوا وحرضوا، ووراءها ايضا مسئولون آخرون وهم من خلقوا هذا المناخ من التعصب والكراهية والفوضى والشحن السلبى.
المسئولية المباشرة فى خلق هذا المناخ الخطير من الفوضى والتعصب والشحن تقع فى المقام الأول على وسائل الاعلام والفضائيات، وهى ضالعة بالتأكيد فى هذه الجريمة بعد ان فلت عيارها واصبح الكثير منها عامل هدم للمجتمع المصرى .
لقد تجاوزت برامج التوك شو كل الحدود واصبحت تمثل خطرا على سلامة المجتمع المصرى فى ظل حالة انفلات غير مسبوقة اختلط فيها الحابل بالنابل، ولاعب الكرة مع مقدم البرامج مع الفنان، وانهارت كل قيم الاعلام وقواعده، واصبح تسخين الحلقات و"توليع" الاجواء هو الطريق المضمون للشهرة والنجومية والشعبية وزيادة السعر فى السوق، فى ظل غياب كامل لأى وازع قانونى او اخلاقى يردع من لا يجد فى ضميره الانسانى والمهنى رادعا.
وبرغم تحمل وسائل الاعلام الدور الاكبر فى هذا الانهيار الاخلاقى، لكن نظل جميعا مسئولين عن هذا الوضع الذى وصل اليه شبابنا من تعصب والذى بلغ حد ان يكون شعار الالتراس "فريق كبير، فريق عظيم، افديه بروحى وبرضه قليل"، ولا اعرف ما علاقة الرياضة والتشجيع والمنافسة الشريفة بالفداء بالروح ولماذا نفدى النادى بأرواحنا؟ وكيف نفديه؟ وهل يعنى ذلك ان يتحول التشجيع الى حرب وتضحية بالروح؟ وهل هذه رياضة؟ ولماذا لم ينزعج الاباء من ترديد ابنائهم لهذا الشعار؟ ومن المسئول عنه؟ وهل التضحية بالروح تحول من الدفاع عن الاديان والاوطان ضد الاعداء وقت الحروب الى الحرب ضد الفرق المنافسة فى مباريات كرة القدم؟
من يتحمل مسئولية ما وصل اليه شبابنا؟ ومن المسئول عن هذا التجريف الرهيب فى شخصيتهم؟ ومن المسئول عن غياب القدوة وضياع الهدف والحلم حتى اختزلنا كل احلامنا فى فوز فريق بمباراة كرة قدم، وحتى اصبحت حياتهم تساوى فوز فريقهم على فريق منافس؟
من المسئول عن ضياع شبابنا وتقزيم احلامهم وعن سطحيتهم وتعصبهم وتطرفهم وعنفهم؟ كلنا مسئولون بدءا من الآباء فى المنزل الى المدرسين فى المدرسة الى الائمة فى المساجد ورجال الدين المسيحى فى الكنائس الى اجهزة الاعلام التى تسطح وتسفه شبابنا وتحارب القيم والاخلاق وتنشر التعصب والتطرف والكراهية وتثير الانقسام بين جماهير الاهلى والزمالك والمصرى والاسماعيلى وبين المسلمين والمسيحيين وبين الليبراليين والاسلاميين.
كفانا نشرا للفوضى والتعصب ودعوات الانقسام والكراهية والشحن، وكفانا سفكا لدماء شبابنا ثم البكاء عليها، ولا يجب ابدا ان تمر كارثة بورسعيد دون ان نستوعب هذا الدرس القاسى، ولا ان نكتفى بعقاب مجموعة من المجرمين المتورطين فى هذه الجريمة البشعة دون ان نفتلع الخطر من جذوره.