قصيدة اليوم.. "رسالة الى الوطن" للشاعر محمود سامى البارودى

ننشر اليوم قصيدة اليوم بعنوان رسالة الى الوطن للشاعر محمود سامى البارودى، الملقب بـ شاعر "السيف والقلم"، الذى تجلت مواهبه الشعرية في سن مبكرة بعد أن استوعب التراث العربي وقرأ روائع الشعر العربي والفارسي والتركي، فكان ذلك من عوامل التجديد في شعره الأصيل.
عمل "البارودى" في الجيش المصرى فى يوليو من عام 1863 حيث عمل برتبة البكباشي العسكرية وأُلحقَ بآلاي الحرس الخديوي وعين قائداً لكتيبتين من فرسانه، وأثبت كفاءة عالية في عمله واشترك في إخماد ثورة جزيرة أقريطش "كريت" عام 1865 واستمر في تلك المهمة لمدة عامين أثبت فيهما شجاعة عالية وبطولة نادرة.
وكان أحد أبطال ثورة عام 1881 الشهيرة ضد الخديوي توفيق بالاشتراك مع أحمد عرابي، وقد أسندت إليه رئاسة الوزارة الوطنية في 4 فبراير 1882 م حتى 26 مايو 1882 م، وإليكم القصيدة:
سمعتُ صوتك منساباً إلى أُذنى حتى أهاج بصدرى كامن الشجن
حفظت حبك رغم البعد يا أملى و صنت ذكرك فى سرى و فى علنى
أقول للنفس أن تأسى ببعدكم فما استجابت إلى قول و لا فطن
زرعت للشوق يكوينى بحرقته و يصطلى النفس فى هم و فى حزن
نفيتُ عنك مع الأحلام تأخذنى إليك رغم بعيد الأرض أبعدنى
و كنت توأم روحى لا أفارقه إلا أفارق من قلب و من بدن
و أنت تبقين بالخرطوم نائية و توأم الروح مشتاق إلى الوطن
أحب صوتك مهما كان ذكّرنى وعادنى طيفك الغالى فأسعدنى
رددتِ ذاكرتى لمّا يغيّرها بُعْدُ المكان و لابُعْدٌٌ عن الوسن
قتيل حبك لا دنيا تبدّله و لا الظروف و لا سيلٌ من المحن
إذا قسوتُ فما بالصدرعادته و كم يذيب فؤادى شوق مُرتََهَن
تطير روحى إلى دنياك شاردة و أكتوى بلهيب القيد و العُن
فهل ديار أبى يا هند تذ كرنى و هل تراب ذرا إذ غبتُ أنكرنى
كم للتراب بأرض النيل معذرتى و للفيافى و للأرياف و المدن
إذا نأينا فقد كانت لنا قدرا رحلاتنا و جريض العيش و السكن
مأساتنا أننا نحيا هوامشها دنيا تداعبنا بالهم و الإحن
و النازلات فلا تأتى مفرّدة و إنما جُمعت ألفاً على شطن
فكل ما زادت الأعوام من أ لمى و كل ما نالنى بالشيب و الحَزن
يبقى بصدر عديم الحول تُرجعه ذكرى تهز كيان المُدنف الوهِن
ذكراك ذكرى فما زالت تؤرقنى مهما أحاول أن أنسى مع الزمن
مهما تباعد كل فى مسالكه ووجهك العذب ياغيداء أوحشنى
لئن سألت عن الأشعار سيدتى ما أنت إلا جميل الشعر للحسن
و أنت لا شك عندى خير غانية خير العنادل إن غنّتْ على فنن
إذا رغبت لقاء بَعْدُ يجمعنا ما زلتُ فى شوق ذاك المرقد الخشن
و ما أزال على عهد الوفاء وإن طال البعاد و ما أغنى عن الوطن