قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

دولة الإسلام مدنية.. ودولة الإسلاميين دينية!

0|محمد نوار

الشائع في ثقافة الناس أن دولة الإسلام هى دولة دينية بما فيها من البيعة والخلافة، ولذلك تسعى الجماعات الإسلامية لإقامتها مع المناداة بالحاكمية الإلهية التى تجعل الحاكم يحكم باسم الله تعالى، فاعتبروا الخلافة من الدين، وأصبح الحاكم سلطان الله في أرضه بعد أن كان خليفة رسول الله، مع أن اجتماع خصوصية الرسالة والقيادة للنبي عليه الصلاة والسلام تجعل كل من حكم بعده خلفاً له وليس خليفته.
لقد تم تسمية الدولة بعد النبى عليه الصلاة والسلام بالخلافة الراشدة، والتالية لها بالخلافة فقط، وتحولت الخلافة في الدولة الأموية إلى حكم يتوارثه الأبناء، ثم تحول إلى حكم ديني سياسي فى الدولة العباسية واستمر إلى سقوط الدولة العثمانية.
ونموذج سياسة الخلافة الراشدة توضحه خطبة لعمر بن الخطاب عن دور الرعية في إصلاح الحاكم حين قاطعه أعرابي قائلاً : "والله لو وجدنا فيك اعوجاجاً لقومناه بسيوفنا، فقال: الحمد لله الذي جعل في رعية عمر من يقومه بحد السيف إذا أخطأ".
ومع نهاية الخلافة الراشدة تم استغلال المواقف لاطلاق شعارات تهدف للوصول إلى الحكم، فقد استغل معاوية شعار "قميص عثمان" لتأسيس الدولة الأموية، وكذلك استغل العباسيون شعار "ثارات الحسين" لتأسيس دولتهم.
ونموذج الاستبداد في سياسة الدولة الأموية توضحه خطبة لعبد الملك بن مروان: "فلست الخليفة المستضعف، يعني عثمان، ولست الخليفة المداهن، يعني معاوية، ولست الخليفة المأفون، يعني يزيد، ألا وأني لا أداوى هذه الأمة إلا بالسيف حتى تستقيم لى قناتكم، والله لا يأمرنى أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه".
ثم جاءت الدولة العباسية وتم تدوين التراث الذي تجاهل تدوين خطب الجمعة للنبى عليه الصلاة والسلام، وكذلك ما كان يدور في مجالس الشورى من حوار ونقاشات مما سجلته آيات سورة النور والتي بقيت بدون روايات تاريخية توضحها.
ونموذج الحاكمية في سياسة الدولة العباسية توضحه خطبة لأبي جعفر المنصور: "إنما أنا سلطان الله فى أرضه أسوسكم بتوفيقه ورشده، وخازنه على فيئه أقسمه بإرادته وأعطيه بإذنه"، وهذا هو المبدأ الأساسى للدولة الدينية فى الخلافة العباسية والفاطمية والعثمانية، أن يحكم الخليفة بالسُلطة الإلهية ويعاونه فى ذلك الفقهاء بتعبيرات فقهية منها "الراعى والرعية" و"أهل الحل والعقد".
فالحاكم وهو الراعي يقود أفراد المجتمع وهم الرعية، ولا يمكن للرعية أن تراجع الراعي والذي يعاونه الفقهاء وهم أهل الحل والعقد الذين يبررون له دينياً الانفراد بقيادة الرعية.
لقد تحولت دولة الإسلام المدنية إلى دولة خلافة، ثم إلى مُلك وراثي نتيجة غياب مفاهيم القرآن، وتم اختصار الإسلام في العبادات ولم يعد للمعاملات والأخلاق أهمية مما أضاع مباديء الدولة المدنية الإسلامية.
فالنبى عليه الصلاة والسلام عندما أقام دولة مدنية كان أهم مبادئها الشورى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ) آل عمران 159، فبرحمة من الله جعله عليه الصلاة والسلام ليناً مع الناس بأن يعفو عنهم ويستغفر لهم إذا أساؤا وأن يأخذ بمشورتهم في أمور الدنيا مما ليس فيه أوامر قرآنية، فالنبي عليه الصلاة والسلام لم يحكم من مبدأ الحاكمية الإلهية.
ولكى يمارس المجتمع حقه فى السُلطة جاء الأمر بالشورى: (وَالّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبّهِمْ وَأَقَامُواْ الصّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىَ بَيْنَهُمْ وَمِمّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) الشورى 38، ووردت الشورى بين الصلاة والزكاة للتأكيد على أن أهميتها مثلهما.
وتعتبر الديمقراطية الآن أحد وسائل تنفيذ الشورى، فالديمقراطية تتيح التنافس بين المرشحين للحكم حسب ما يطرحونه من برامج وسياسات ليختار الناخبين من بينهم فيكون الشعب مصدر السلطات.
ومن مباديء الدولة المدنية العدل: (..وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ..) النساء 58، بوجود نظام عادل للحكم يهدف لحفظ حقوق الفرد فى الحياة والمال والعرض، وأيضاً لضمان حرية الفكر والعقيدة، قال تعالى: (..أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النّاسَ حَتّىَ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ) يونس 99.
ومن مباديء الدولة المدنية تحقيق الأمن داخلياً وخارجياً، بأن يكون للمجتمع جيش قوى: (وَأَعِدّواْ لَهُمْ مّا اسْتَطَعْتُمْ مّن قُوّةٍ وَمِن رّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوّ اللّهِ وَعَدُوّكُمْ) الأنفال 60، فالقوة تمنع العدو من الاعتداء وبالتالى تحقن الدماء.
وقد اختلفت الأراء حول الفصل بين الدين والدولة والسياسة، باعتبار أن القرآن لا يخاطب حاكماً كما في قوله تعالى: (وَأَعِدّواْ لَهُمْ مّا اسْتَطَعْتُمْ مّن قُوّةٍ..) الأنفال 60، وبالتالي فليس فى الإسلام دولة، ومع أن الخطاب السياسى والتشريعى العام فى القرآن يتوجه للمجتمع ولا يخاطب حاكماً، إلا أن الإسلام له دولة مدنية يحكمها شعبها بالشورى عن طريق الديمقراطية المباشرة بما يشبه نظام الدولة السويسرية الآن.
وتعتبر الدولة الديمقراطية الحديثة هى الأقرب للدولة المدنية الإسلامية، فالإسلام ليس فقط عقائد وعبادات، ولكنه أسلوب حياة متكامل مبني على نظام تشريعي وأخلاقي يحتاج لإنشاء دولة مدنية تطبق هذه المنظومة للإرتقاء بالمجتمع.
ولذلك سيظل الدين في الدولة المدنية عاملاً أساسياً في بناء الأخلاق بما يحمله من طاقة إيمانية تدفع الأفراد للعمل والالتزام، ولا يجب أن يستخدم الدين لتحقيق أهداف سياسية تحوله إلى موضوع للاختلاف والجدل حسب ما يحمله كل فريق من تفسيرات لتحقيق مصالحه.