إلى الدكتور القرضاوى
ظلت الحركة الإسلامية بصفة عامة أمام اختبار عصيب من أصعب وأخطر اختباراتها التاريخية منذ حراك 2011م إلى اليوم، وهو اختبار القيادة التى تنادت بها عقودا زاعمة بأنها البديل فى واقع مضطرب يفور بالغضب والاحتقان والأحقاد والعنف، وفى مجتمعات شبه كسيحة اجتماعيا واقتصاديا.
فى حال الفشل والعجز ليس لهم إلا الويلات واللعنات والثبور؛ فالتنظيرات والكتابات على مدى عقود كانت فى مستوى القمة من جهة تأكيد الثقة فى التيار الإسلامى كبديل يمتلك المشروع والرموز والكفاءات والمنهج والمقدرة الفائقة على القيادة، وكانت أكثر تلك الكتابات انتشارا وإحاطة بمثل هذه القضايا كتابات الدكتور يوسف القرضاوى الداعية المعروف.
ومن أوائل الكتابات والتنظيرات التى يجب محاكمتها إلى الواقع اليوم هى كتابات وتنظيرات الدكتور القرضاوى الذى أكد أن تيار الإخوان المسلمين هو التيار المنشود وهو طليعة القيادة والسبق بوصفه "الأعرق والأقدم فى تاريخ الصحوة أو التجديد الإسلامى" – بحسب بوصفه.
وبوصفه أيضا هو تيار الوسطية الأوحد على الساحة الذى يستطيع الحفاظ على وسطية المنهج واعتداله وتوازنه مهما كانت التحديات والظروف "وما عداه يعتبر بمثابة قنوات صغيرة"، وأنه التيار الذى "يرجى طول عمره واستمراره حيث يجمع بين السلفية والتجديد، والثوابت والمتغيرات ويدعو إلى الفهم الشمولى للإسلام والابتعاد عن التجميد والتمييع".
السؤال الآن بعد التجربة الإسلامية القصيرة فى الحكم فى مصر وما تبعها من أحداث وأهوال وما حدث من تجاوزات وأخطاء وقصور سواء فى مستوى الخطاب الإعلامى أو الأداء السياسى أو كيفية التعامل مع الأزمات وكيفية تعامل الإخوان مع أنواع الفقه التى تحدث عنها الدكتور القرضاوى كثيرا فى كتبه مثل فقه الأولويات وفقه الموازنات وفقه النتائج وفقه الواقع.. إلخ، فهل وافق هذا الأداء العملى المتواضع الذى سبب الكثير من الكوارث والخسائر تلك التنظيرات والكتابات التى ملأ بها الدكتور القرضاوى كتبه؟
وإذا لم توافق، فهل راجع الدكتور القرضاوى ذلك قياما بالواجب من منطلق موقعه ومكانته وتأثيره فى الحركة الإسلامية، ليقول لهم: لا توقفوا فقد خالفتم ما كتبته وجاءت تصرفاتكم وخطاباتكم وقراراتكم ومواقفكم على النقيض مما كتبت؟ أم أنه سكت عن هذه المخالفات وحرص طوال الفترة الماضية على الإرشاد فى اتجاه التصعيد وعدم الوقوف على الأخطاء وتصحيحها؟
لنراجع نحن بعض هذه الكتابات ونقارنها بواقع الحركة اليوم.
تحدث الدكتور القرضاوى عن أنواع من الفقه ضرورية أكثر من غيرها للحركة الإسلامية، منها فقه الموازنات أى الموازنة بين المصالح والمفاسد والموازنة بين المصالح والمصالح الأدنى والموازنة بين المفاسد والمفاسد الأعلى، فهل أعملت الحركة الإسلامية هذا الفقه ووازنت بشكل علمى حكيم خروجا من المفاسد والخسائر إلى المصالح والمنافع وتفويتا للمصلحة الدنيا فى سبيل المصلحة العليا وتضحية بالمصلحة الخاصة من أجل المصلحة العامة؟
وأكد الدكتور القرضاوى فى أكثر من مناسبة وأكثر من كتاب على ضرورة تكامل فقه الشرع مع فقه الواقع بعد دراسة الواقع دراسة دقيقة، فهل تمت دراسة الواقع وتحدياته ومقتضياته دراسة جيدة لتسير الحركة على هدى بشرع ربها وعلى بصيرة ودراية ووعى كامل بواقعها؟
الدكتور القرضاوى كان له دور كبير ومسئولية عظمى كرجل دعوة مسئول وله مريدوه وأتباعه، بل اعتبرته الحركة الإسلامية أو معظم فصائلها، خاصة الإخوان المسلمين الأب الروحى والمرجع العلمى والفقهى لها، ولو كانت مواقفه وتنظيراته وخطبه ورسائله فى الفترة الأخيرة موجهة ناحية التصحيح، أو تذكير الحركة بما كتبه وأصله لها من قبل، لتغير الوضع كثيرا، أو على الأقل كان حجم الخسائر والتدهور أقل بكثير مما نراه ونعايشه.
هشام النجار
[email protected]