الانتخابات الرئاسية والأمراض النفسية!

أغلق باب التقدم للترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية أمس الأحد، وسوف تنتقي اللجنة العليا الخاصة بانتخابات الرئاسة من بين ألف وخمسمائة مواطن سحبوا أوراق شروط الترشيح، حوالي خمسة عشر مرشحا فقط، استوفوا شروط الترشيح سواء في نجاحهم في جمع ثلاثين ألف توكيل، أو أيدتهم أحزاب وأعضاء في مجلسي الشعب والشوري وقد يقل هذا العدد في مرحلة الفرز الحالية التي بدأت اليوم الاثنين، بعد تقديم الطعون القانونية ضد بعض المرشحين.
ولكن يبقي السؤال: ما تفسير تقدم هذا العدد الضخم لسحب أوراق الترشح، والسعي إلي خوض انتخابات رئاسة الجمهورية، رغم علم الغالبية العظمي منهم، أنهم لا يصلحون لتولي هذا المنصب لأسباب سياسية وقانونية ومنطقية؟
الجواب بالطبع هو، من حق أي مواطن مصري ممارسة حقوقه السياسية وخوض الانتخابات البرلمانية والرئاسية، سواء بالترشيح أو الانتخاب، فذلك حق دستوري له، ولاسيما إننا نعيش في مرحلة ما بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، ولكنني أري أن هناك أسبابا "نفسية" وراء تهافت بعض المواطنين، للترشح لمنصب رئيس الجمهورية، بل ومن وجهة نظري المتواضعة وبعد متابعتي لأغلبية من سحب أوراق شروط الترشح، ورؤيتهم أمام كاميرات الفضائيات المختلفة وهم يتحدثون عن أحلامهم وأسباب ترشحهم وبرامجهم الرئاسية، وتصريحاتهم في بعض الصحف.. أري أن بعض هؤلاء مرضي نفسيون، وهذا ليس تقليلا من شأنهم أو سبهم أو السخرية منهم، فأنا لا أقصد ذلك إطلاقا وأحترامهم جميعا، بل المصابون بالأمراض النفسية، مثلهم مثل من يصاب بالأنفلونزا والقولون العصبي والضغط والسكر والصداع النصفي، وكلها أمراض نطلب من الله أن يشفينا منها جميعا.
فحالة الهوس الشعبي للوصول إلي كرسي الرئاسة وممارسة شهوة السلطة وحب الظهور والتفاخر، والتحدث عن امكانية تحقيق أحلام جماهيرية وحل مشكلات "مصرية" مزمنة، دون مؤهلات علمية وسياسية وقدرات شخصية قيادية، تعطي انطباعا بأن بعض هؤلاء المرشحين - مع احترامي الشديد لهم - قد يكونون مصابين بالشيزوفرينيا السياسية، ويعانون من الإفراط في أحلام اليقظة و"الهلاوس" والفصام الذهني، فهناك من ذهب إلي مقر اللجنة العليا للانتخابات للاستعلام عن شروط الترشح وسحب الأوراق الخاصة بذلك وهو يرتدي "شبشب" في قدميه، وآخر كان يحمل مخدرات في جيبه، وثالث ضبطت معه مطواة "قرن غزال" بين طيات ملابسه ومع احترامي لكل المهن والحرف الشريفة، فقد سحب "المظروف" الذي به الأوراق اللازمة للترشح، "حانوتي" والذي تعهد بالقضاء علي الجوع في مصر، ومصور - غير متعلم - وقد وعد بأن يكون المهمشون "أسياد" المرحلة القادمة، وفلاح وعد بإصلاح حال الفلاحين المظلومين، ونجار تعهد بأنه في حال فوزه بمنصب الرئيس بأنه لن يتخلي عن مهنة التجارة لأنه يعتز بها، وميكانيكي أقسم بأنه سيكون صوت كل الصنايعية في مصر، وسائق تاكسي وعد بتوفير وسيلة نقل مريحة لكل المصريين وحل مشكلات المرور وتقنين وضع "التوك توك"، وسيدة طالبت في برنامجها بضرورة أن يكون هناك "كتكوت لكل مواطن"، وكهربائي أكد أنه لديه برنامج رئاسي يتضمن إصلاح التعليم وكيفية استرداد الأموال المنهوبة وتحقيق العدل، ومأذون شرعي وعد بانشاء وزارة للزكاة والقضاء علي المشكلات العائلية ولص تائب أقسم انه سيحقق العدالة الاجتماعية إذ فاز بكرسي رئاسة الجمهورية.
ومن بين الذين سحبوا أوراق الترشيح للرئاسة أيضا من ادعي انه من أقارب الملك فاروق وإنه سيعيد النظام الملكي ويقضي علي "الضباط الأحرار وكل حكم العسكر" الحالي، في حين وعد عضو بارز سابق في الحزب الوطني المنحل بمدينة سنورس في الفيوم بأنه إذا انتخب رئيسا للجمهورية سيبقي علي المجلس العسكري من أجل معاونته في ادارة شئون البلاد، كما وعد مهندس زراعي جاء من الدقهلية إلي مقر اللجنة الانتخابية راكبا دراجة بخارية، بتحويل مصر إلي بلد زراعي مرة أخري، وأكد أنه في حال وصوله إلي منصب رئيس الجمهورية سيقوم بإعداد قانون يمنع الحرفيين من التقدم للترشح لمنصب رئيس الجمهورية، لأن كل من "هب ودب" يطمح في أن يكون رئيسا للجمهورية ويتقدم لانتخابات الرئاسة بل هناك شخصيات تقدمت للترشح للرئاسة وادعت أنها قامت بذلك بناء علي تكليف إلهي ورؤية منامية، وانهم شاهدوا الرسول صلي الله عليه وسلم في منامهم وربت علي أكتافهم، بل هناك مرشح ادعي النبوة، وآخر قال أنا المهدي المنتظر ومرشحكم للرئاسة!
وهناك شخصيات مشهورة سحبت أوراق الترشح، ولا تختلف عن النماذج السابقة، منها "الفنان" سعد الصغير الذي زعم أنه يحمل آلاف التوكيلات وجاء إلي مقر اللجنة في زفة راقصة، ولكنه تراجع بعد ذلك بحجة أنه يحمل دبلوم صنايع ولا يصلح لقيادة مجلس محلي!
والسفير عبدالله الأشعل الذي تنازل عن ترشحه لصالح مرشح الإخوان خيرت الشاطر، وأعلن ذلك في مؤتمر صحفي في مقر الإخوان، ثم قرر بعد يومين من هذا التنازل انه سيترشح للرئاسة بدعم من حزب الأصالة!
بل إن اللواء عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية فى النظام السابق ، والذى توارى عن الأنظار بعد إلقاء خطاب التنحى الشهير، فقدأعلن فى بيان رسمى إنه لن يترشح لرئاسة الجمهورية ، ولكن بعد يوم واحد تراجع عن قراره وقرر الترشح بعد ضغوط شعبية - حسب ماصوره له خياله - والغريب أنه جاء إلى مقر اللجنة الإنتخابية للإستعلام عن أوراق الترشح ، فى موكب رسمى ومحاطا بالشرطة العسكرية ولم يتحدث إلى الصحفيين ونظر إليهم بإستعلاء ، وقد شاهدت على قسمات وجه نفس تعبيرات الغطرسة وجنون العظمة والتعالى والإستخفاف بالأخرين ، وكإن لم تقم ثورة فى مصر يوم 25 يناير ، بل ونظراته تعبرعن مرشح رئاسى " عاد لينتقم "
نعم من حق كل مواطن أن يحلم ويطمح أن يكون رئيسا للجمهورية ، فتلك هى الديمقراطية ، التى نسعى إلى تحقيقها جميعا ، والتى يجب أن يمارسها أفراد الشعب دون تمييز ، فقد عشنا على مدى أكثر من ستين عاما فى ظل حكم عسكرى شمولى ، منها ثلاثين عاما كانت قهرا وإستبدادا وتهميشا ، بل أن نظام مبارك البائد قتل الأحلام السياسية داخلنا ، وعندما سقط فجأة ذلك النظام "وكشف غطاء " الإستبداد وغمرتنا شمس الحرية أصيب بعضنا بالأمراض السياسية الناتجة عن الحرمان والكبت السياسى ، ولكن ليس معنى ذلك أن نخدش قدسية أعلى منصب فى مصر ونستخف به ونحدث شروخا فى كرسى الرئاسة الذى يجب أن يكون رمزا لهية مصر ، وبالتالى لابد أن تتوافر شروط موضوعية فى المرشح بجانب مؤهلاته السياسية وتوافر الشروط القانونية به ، وهى أن يكون صحيح الجسم وخالى من الامراض المزمنة ، خاصة الامراض النفسية .