امرأة و3 رجال.."نسوانجى".. و"مجنون".. و"حرامى"

جلست فى ركن هادئ بإحدى قاعات الجلسات بمحكمة الأسرة بمصر الجديدة بعيدا عن زحام الحائرين والباحثين عن العدل والخلاص مثلها، ترتدى عباء سوداء مطرزة الأكمام ومزينة بنقوشات داكنة اللون أعلى منطقة الصدر، تدارى خلف نقابها الحريرى وجه حفرت الدموع ممرا لها على وجنتيه صفرة الشقاء وعناء الركض وراء بضعة جنيهات تسد بها جوع أطفالها، وتخفى عينين ممتلئتين ببقايا دموع حارة على سنوات ضاعت بين ثلاثة رجال.
أولهم أذاقها مرارة الخيانة وثانيهم عذب جسدها وأحرقه - حسب روايتها- وثالثهم استولى على مالها وتزوج عليها ثم تركها وحيدة، إنها "نجلاء" ذات الـ41 ربيعا والتى طرقت أبواب المحكمة لرفع دعوى خلع ضد زوجها الثالث مهندس الإلكترونيات بعدما هجرها عام ونصف العام دون مال ولا سؤال.
بكلمات تخرج من ثغرها ثقيلة، وصوت وهن يرتعش من الحسرة، تبدأ الزوجة الأربعينية سرد تفاصيل مأساتها لـ"صدى البلد: "تزوجت لأول مرة وأنا فى التاسعة عشرة من عمرى، من رجل يعمل محاسبا بإحدى الشركات ويمتلك مصنعا لتصنيع الأثاث الفندقى، بدا لى عندما تقدم لخطبتى عريسا مناسبا، وسيما، ميسور الحال ودمث الخلق، قبلت به دون تردد، فقد كنت كأى فتاة أحلم باليوم الذى سأرتدى فيه الفستان الأبيض، وأزف إلى عريسى فى موكب تحيطه فتيات يمسكن فى أيديهن باقات الورود، ويطلقن الزغاريد فتشق عنان السماء، علاوة على أن صفاته تذهب عقل أى امرأة، فماذا كنت أريد أكثر من ذلك؟! لكن يبدو أننى كنت واهمة، فالشقة الفاخرة والمال لم يعوضانى عن السعادة التى افتقدتها مع زوجى المحترم الذى لم يكف عن خيانتى ومعاشرة النساء على فراشى طوال العام الذى قضيته بين أحضانه، ولم يطفئ نار الوحدة المشتعلة فى صدرى بسبب سفره الدائم ولم يجعلنى أغض بصرى عن انفتاحه الذى لا يناسب التزامى الديني، طلبت الطلاق، وعدت إلى بيت أهلى حاملة ابنتى على كتفى".
تحبس الزوجة العشرينية أنفاسها بين ضلوع صدرها المثقل بالهموم وهى تكمل رواية تفاصيل حكايتها: "وبعد أربع سنوات تزوجت للمرة الثانية من رجل تعرفت عليه عن طريق إحدى زميلاتى بالمدرسة الخاصة التى التحقت للعمل بها بعد طلاقى، صدقت كلامه عن الأمان والاستقرار، آمنت بوعوده الزائفة برعاية ابنتى وحمايتها، فكان أول من طردها لتنام فى مداخل البنايات وعلى الأرصفة بعدما تخلى والدها المليونير هو الآخر عنها وتركها لزوجته الثانية ترعاها ورحل بحثا عن نزوة جديدة".
وأضافت: "والطامة الكبرى أننى اكتشفت أن زوجى عاطل ولا يمتلك شركة كبرى كما ادعى قبل الزواج، وأنه مريض نفسيا وسبق وأن دخل مصحة الأمراض النفسية والعقلية للعلاج، ورغم ذلك تحملت لأننى لا أملك غير خيار الرضا، خمسة أعوام وأنا صابرة من أجل ألا تعيش طفلتى الثانية مأساة شقيقتها، تحملت ما لا يمكن لبشر أن يتحمله، ضرب وتعذيب وحرق بالسجائر، لكن الكيل فاض، فاستنجدت بشقيق زوجى المقيم بدولة الكويت ليخلصنى، وبالفعل أرغمه على تطليقى، وليتنقم منى رفيق دربى خطف ابنتى وحرمنى من رؤيتها 11 عاما، ولم أصل إليها إلا منذ أيام قليلة".
تترقرق الدموع فى عيون الزوجة الأربعينية الحزينة وبصوت يرتجف من الألم تتابع حكايتها: "خرجت من الزيجتين بطفلتين ومحطمة، رضيت بنصيبى وحمدت الله عليه، لكن ألسنة الناس لم ترحمنى فقررت الهروب من سهامهم المسومة لسمعتى بالزواج للمرة الثالثة من مهندس إلكترونيات، وياليتنى مافعلت فقد اعتاد ضربى وطردى بملابسى الداخلية واستولى على مصوغاتى ومالى، كما أنه أرغمنى على التنازل له عن شقتى التى اشتراها لى أشقائى لأجمع فيها أولادى".
وأضافت: "ورغم ذلك كنت أصلى لله كل يوم راجيا منه أن ينصلح حاله ويكف عن سرقة مال الجهة التى يعمل بها لأجل أطفاله الثلاثة، لكن الأمر كان يزداد سوءا، وزوجى يتمادى فى طغيانه ويتوسع فى أكل الحرام - حسب قولها- حتى فقط وظيفته، عشرة أعوام وأنا محتسبة أجرى على الله، وبعد كل هذا الصبر تزوج على وهجرنى، عام ونصف العام لا أعرف عنه شيئا، فاضطررت إلى العمل وأخذت أتاجر فى الذهب الصيني، حتى أنهك السعى والحزن قلبى ودخلت إلى المشفى فى حال خطرة، ولولا أهل الخير الذين فتحوا لى محلا صغيرا أعيش منه لكنت مت جوعا أنا وصغارى".