مدنية مصر

من المؤكد بل من اليقينى ان مفهوم الدولة عندما ترسخ كان الهدف منه هو
تنظيم حركة المجتمع والحفاظ على تماسكه وامنه من خلال مؤسسات بعينها موكل
اليها اختصاصات محددة، تتكامل وتتقاطع جميعا من اجل مصلحة المجتمع وكافة
اعضاءه، وعندما وجد القانون وجد لتنظيم حقوق وواجبات اعضاء المجتمع
والاحتكام الى النصوص القانونية التى تحفظ لكل فرد من افراد المجتمع حقوقه،
وبدون القانون وسيادته لا يمكن ان تكون هناك حماية للحقوق الفردية
والجماعية... وحتى عندما اوصى الله لرسله بدياناته المتلاحقة كان الغرض
منها بث التسامح والتعاطف والتعاضد بين الناس وبث روح التعاون وتنظيم
حياتهم الروحية واعلاء قيمهم الانسانية، ولم تكن على الاطلاق بغرض بث روح
الشقاء والالام للناس ايا كان الاستناد لاية نصوص معينة، فالاصل فى الاديان
جميعها هى خلق انساق قيمية متسامحة تساهم فى تحسين شروط الحياة والتفاعل
مع معطيات كل عصر بما يسمح لتخفيف الام الناس وشقائهم... فهل ما نشاهده
الان لبعض تيارات سياسية ودينية معينة والتى ترسخ للعداء وبث روح الفرقة
يساعد على خلق روح التسامح بين الاديان والمعتقدات والحفاظ على الحريات
الشخصية وهل يساعد كما نقول دائما على تماسك البنيان الاجتماعى... ان من لا
يريد السعى الى تامين انتصار الديمقراطية بتامين البنيان الاجتماعى
والحفاظ على المؤسسات المدنية فانه يسعى الى هدم القيمتين من الاساس وبذلك
تهيمن قوى الفوضوية والعنصرية وتخلق البيئة الجاذبة لاستثمارات الارهاب
والنكوص والتخلف والعودة الى دولة ما قبل المدنية.
نعم ان العديد من
ردود الافعال بشأن بعض المرشحين المنتمين لتيار الاسلام السياسى وتصريحات
لبعض رموزه من الاخوان والسلفيين ... تفجر الوطن بكاملة.. فالديمقراطية
يمكن فقط استخدامها اذا اتفق الناس على مواصلة العيش معا، وهذا يتطلب ان
تكون الاغلبيات، حتى وان كانت هناك نصوص دستورية تدعمها، ان تكون على
استعداد لممارسة قدر من ضبط النفس، والا تستخدم دوما قاعدة الاغلبية
للسيطرة على كل شىء ولإعمال وجهة نظرها...
والرسالة التى يجب ان يعييها
تيار الاسلام بكافة اطيافه والذى حصد اغلبية برلمان ما بعد ثورة يناير
"فليكن الوطن مكان سعادتنا اجمعين نبنيه بالحرية والفكر"، وليس بالاستبداد
والاقصاء هذا ما قاله رفاعه الطهطاوى منذ ما يزيد عن 100 عام ... فهل ونحن
فى الالفية الثالثة نجعل الوطن مكان لشقاء نسيج هذا الشعب؟ ...
لقد ان
الاوان فى ظل مجتمع يبحث عن ديمقراطية بتنمية اجتماعية واقتصادية حقيقية
تكافح الفقر والجهل ان تنمى افكارنا السياسية وان تضبط الديمقراطية
بالمعايير القانونية التى ستظل هى الحامية والمحصنة للديمقراطية وتماسك
البنيان الاجتماعى... ان الاوان ان نحتكم للقانون الذى ينظم كافة العلاقات
سواء بين المجتمع وحكامه او بين اعضاء المجتمع بعضهم بعضا... ان الاوان ان
نتخلى عن بث روح الفوضى والتشتيت والاهانات وخلخلة البنيان الاجتماعى... ان
الاوان ان تعى الفروق بين حرية التعبير والاثارة وتشتيت المجتمع عن اهدافه
الحقيقية فى تحقيق التنمية والتطور .. ان الاوان ان تمارس القوى السياسية
الشرعية دورها الفعال ولا مجال للانقضاض على منجزات مصر المدنية... ان
الاوان ان تكف طائفة الظلاميين عن اختراق ما حققته مصر من استقلال
ومدنية... وان تمارس المؤسسات المدنية دورها فى اطار القانون.
Email:[email protected]