الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

في ذكرى وفاة "فارس المنابر".. الشيخ كشك عاش زاهدا ومات ساجدا.. وحصل على لقب أكثر الخطباء شعبية

صدى البلد

الشيخ عبد الحميد كشك
فارس الكلمة والمنبر يصدع بكلمة الحق ويجهر بها دون أن تأخذه في الله لومة لائم
داخل السجون مثالاً للصبر والثبات والاحتساب واليقين
عُرف بفصاحته وإجادته التامة للغة العربية وإحاطته الفائقة بعلومها وفنونها عاش الشيخ عبد الحميد كشك زاهدا ومات ساجدا، إنه فارس الكلمة والمنبر، عرفه الناس خطيبا مفوها نابها، وداعية جريئا موفقا، يصدع بكلمة الحق ويجهر بها دون أن تأخذه في الله لومة لائم.
عُرف عنه فصاحته وإجادته التامة للغة العربية، وإحاطته الفائقة بعلومها وفنونها، وذوقه الأدبي الرفيع الذي يتضح في جودة انتقاء الأشعار، وحُسن الإلقاء، وروعة اختيار العبارات، ودقة التصوير والوصف، كما امتاز الشيخ بأسلوبه الأخاذ الذي يخاطب العقل كما يخاطب الوجدان ‏ويحرك العاطفة كما يحرك الشعور والإحساس، يأسر القلوب إذا خطب، ويلهب ‏المشاعر إذا تحدث، ويحرك الدموع إذا وعظ، ويضحك الأسارير إذا سخر.
نشأته
وُلد الشيخ عبد الحميد عبد العزيز محمد كشك في قرية شبراخيت بمحافظة البحيرة في العاشر من مارس لعام 1933م، حفظ القرآن الكريم قبل سن العاشرة من عمره، ثم التحق بالمعهد الديني في الإسكندرية، وكان ترتيبه الأول على مستوى الجمهورية في الشهادة الثانوية الأزهرية.
التحق بعدها بكلية أصول الدين في جامعة الأزهر وكان الأول على طلبة الكلية طول سنوات الدراسة عمل رحمه الله إماما وخطيبا في العديد من المساجد والجوامع حتى استقر به المقام في الجامع المُسمى "عين الحياة" بمنطقة حدائق القبة في القاهرة لمدة 20 عاما تقريبا هي عمر الشيخ على منبره الذي عرفته جموع المصلين من خلاله فالتفت حوله، وتجاوبت معه حتى ذاع صيته، وانتشرت أشرطة خطبه ودروسه في كل مكان.
جدير بالذكر أن الشيخ عبد الحميد كشك كان مبصرا إلى أن صار عمره ستة أعوام ففقد نور إحدى عينيه، وفي سن السابعة عشرة فقد العين الأخرى، ولقد عوضه الله تعالى عن نور البصر بذكاء القلب والبصيرة، فكان يردد قول ابن عباس رضي الله عنهما:

إن أذهب الله من عيني نورهما ففي فؤادي وقلبي منهما نور
عقلي ذكي وقلبي ما حوى دخلا وفي فمي صارم كالسيف مشهور
الشيخ ودور المسجد
كان الشيخ عبد الحميد كشك من أكثر الدعاة والخطباء شعبية في الربع الأخير من القرن العشرين، وقد وصلت شعبيته إلى درجة أن المسجد الذي كان يخطب فيه خطب الجمعة حمل اسمه، وكذلك الشارع الذي كان يقطن فيه بحي حدائق القبة، ودخلت الشرائط المسجل عليها خطبه العديد من بيوت المسلمين في مصر والعالم العربي.
لم يكن الشيخ في مسجده يقوم بعمله على أنه موظف، ‏وإنما كان يعتبر عمله رسالة قبل أن يكون وظيفة، ودعوة قبل أن يكون مورد ‏رزق يتكسب منه، ومن ثم فقد استطاع الشيخ أن يجعل من مسجده دارا للعبادة، ‏ومدرسة للتعليم، ومعهدا للتربية، ومأوى للمحتاجين والمساكين، قال عنه جيلز كيبل، رجل المخابرات الفرنسي: "نجح كشك في ‏إعادة رسالة المسجد في الإسلام، حيث تحول مسجده إلى خلية نحل تكتظ بحشود ‏المصلين".‏
كما قال عنه الدكتور محيي الدين عبد الحليم "رحمه الله"، عميد كلية الإعلام بالأزهر: "أسهم بفاعلية واقتدار في جذب الجماهير، واستمالتهم، وأرسى منهجـًا في الخطابة جديرًا بالبحث والدراسة، وتناول مختلف الأمور التي تشغل تفكير المسلم في يومه وغده، متحملاً أعباءً جسيمة في سبيل الرسالة التي اضطلع بها، وتحمل كراهية المسئولين، والكثير من عنت السلطة، وأثبت أن خطبة الجمعة لا تقل أهمية عن وسائل الإعلام المعاصرة كافة بل تتفوق عليها جميعـًا".
‏ الشيخ والسجن
سجن الشيخ أكثر من مرة لأجل جرأته وصدعه بالحق، وطلب منه أن يفتي بما ‏يوافق الساسة ولكنه أبى، اعتقل الشيخ الجليل رحمه الله عام 1965م وظل بالمعتقل لمدة عامين ونصف العام، تنقل خلالها بين معتقلات طرة وأبو زعبل والقلعة والسجن الحربي.
كما اعتقل عام 1981م وكان هجوم السادات عليه في خطاب 5 سبتمبر 1981م هجوما مرا، ولكنه كان كما قال مرافقوه داخل السجون مثالا للصبر والثبات والاحتساب واليقين.
ومنذ خروجه من السجن في آخر مرة ‏سنة 1982م، لم يصرح له بالعودة إلى مسجده ومنبره، وظل كذلك إلى أن توفاه ‏الله في 25 رجب 1417 هـ.