مناظرة موسى وأبو الفتوح

كان مشهد مناظرة عمرو موسى وعبد المنعم أبو الفتوح مساء أمس مؤثرا في دلالاته وتداعياته، ولا يمكن القفز عليها أو تجاهلها أو التعامل معها بمنطق الفائز والخاسر، أو من تفوق على الآخر ووجه إليه أسئلة محرجة لتعرية مواقفه أمام الجماهير ومن صمد في المواجهة وكسب مناصرين جددا، ولنا تسع ملاحظات على هامش المناظرة هى:
أولا: أن اختيار موسى وأبو الفتوح للبدء بهما سلسلة من المناظرات استنادا إلى نتائج استطلاعات للرأي أجراها مركزا "البصيرة" و"الأهرام" أكدت تفوقهما عن بقية المرشحين، لا يمكن الاستناد إليها كمعيار للاختيار، لان التأسيس على هذه النتائج محفوف بالمخاطر، فهى تستند إلى استطلاعات رأي مشكوك في أساسها العلمي، ولا يمكن التعامل بجدية مع عينة عشوائية غير ممثلة للمجتمع قوامها ألفا ناخب من 53 مليون ناخب، اعتمدت على استقصاءات أجريت عبر الهاتف من بعض المحافظات.
ثانيا: البدء بمرشحين فقط من أصل 13 منافسا على مقعد الرئاسة لم يكن موفقا من حيث المواءمة السياسية والرؤية الإعلامية، لأن الناخبين يتوقعون مناظرة بين مرشحين في جولة الإعادة، لكن في المرحلة الأولى كان من الأفضل توسيع قاعدة المناظرة لتضم 4 أو 5 مرشحين.
ثالثا: نجحت المناظرة في تثبيت شكل جديد من أساليب العمل الإعلامي لم نعتاد عليه سابقا، لأن النظام السابق وأجهزته الأمنية تمكنوا من وأد كل محاولات التطوير والتغيير، ولم يكن مبارك ثم زوجته ونجله لاحقا يسمحون باللعب خارج الصندوق، واستخدموا قبضة العادلي الأمنية بإبقاء المعارضة في أحزاب أمن الدولة الكارتونية التي لا تقترب من رأس العائلة والنظام.
رابعا: رسخت المناظرة مبدأ أن الشعب هو السيد والحكم وأن من يريد أن يتبوأ منصب رئيس الجمهورية عليه أن يسعى هو للشعب ليطلب رضاه وصوته لا أن يستعطف الشعب الرئيس ليحكمه.
خامسا: كشفت المناظرة عن اختلالات عميقة في بنية التفكير لدى المرشحين، تمثلت في تأسيس المواجهة على معيار تجريح الآخر وإحراجه ومغازلة جمهوره، فعمرو موسى حاول طوال الوقت سحب جمهور القوى المدنية من أبو الفتوح بتأكيد ولائه لجماعة الإخوان، ثم محاولة سحب جزء من تأييد السلفيين له بتذكيره برأيه عن حرية التحول من الإسلام إلى المسيحية، ثم استخدام ورقة خبرته العملية كوزير للخارجية وكأمين لجامعة الدول العربية مقابل قلة خبرة منافسه وانحصارها في أعمال الإغاثة، وفي المقابل حاول أبو الفتوح تأكيد أن موسى جزء من النظام السابق ولم يكن معارضا له وبالتالي لا يمكن أن يؤتمن على قيادة الجمهورية الثانية بعد الثورة.
سادسا: أكدت المناظرة أننا لم نتعلم بعد كيف نختلف وعند أول مواجهة نلجأ سريعا إلى الانفعال والتجريح والخوض في النوايا والذمم واصطياد موقف هنا وكلمة هناك للتشكيك ليس فقط في قدرات المرشح ولكن في وطنيته، واستخدم المرشحان في أوقات كثيرة ألفاظ جارحة ما كان يليق بهما استخدامها.
سابعا: غازل المرشحان كل القوى الفاعلة في المشهد السياسي، أولها قوى الثورة بإعلان الانحياز لها، وثانيها قوى الإسلام السياسي بإعلان موسى حقها في تشكيل الحكومة وتجديد أبو الفتوح انتمائه إليها، وثالثها المرأة برفض تهميشها وتبني الحفاظ على حقوقها، ورابعها المهمشين بالحديث عن العلاج المجاني والتعليم الجيد والحد الأدنى للاجور، وخامسها الأقباط بالحديث عن المواطنة والمساواة، وسادسها المجلس العسكري بالتأكيد على تولى عسكري لوزارة الدفاع مع الحفاظ على سرية ميزانيتها.
ثامنا: كشفت المناظرة عن تقارب كبير على الأقل نظريا في برنامج المرشحين، ولم نلحظ - باستثناء الألفاظ الثورية لأبوالفتوح والدبلوماسية لدى موسى - فروقات جوهرية في طرق التعامل مع مشكلات اللحظة الراهنة.
تاسعا: أثبتت المناظرة أن لدى قنواتنا الفضائية الخاصة وإعلامييها قدرات وخبرات متميزة تمكنت من تنظيم مناظرة هى الأولى من نوعها وفتحت بابا لاستكمال مسيرة التطوير والعودة إلى الريادة الإعلامية الحقيقية وليست ريادة صفوت الشريف، وأكدت أن الإعلام الرسمي مازال غارقا حتى أذنيه في مستنقع البيروقراطية، وسياسة انتظار التعليمات، التي أخرجته من سباق المنافسة نهائيا بانصراف الجماهير عنه.