«ماراثون» ختم القرآن!
أغلب المسلمين يهتمون بتلاوة وحفظ القرآن، إلا أن هذا الاهتمام لا يصحبه عادة اهتمام بالتدبر والفهم، حيث تم الاكتفاء بما فهمه السابقون، قال تعالى: "أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آَبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ" المؤمنون 68.
فقد تم فهم التلاوة على أنها تعني القراءة فقط، وليس بمعنى التتالي والتتابع في وصل الآيات، وأصبح معنى الترتيل هو طريقة للأداء الصوتي يختلف عن التجويد، وليس بمعنى جعل الآيات في أرتال أو صفوف كالمصفوفات، والتلاوة والترتيل من أهدافهما الربط الموضوعي للآيات من أجل فهم متكامل.
كما تغلب مفهوم التفسير على مفهوم التدبر بحيث يتم فهم الآيات من خلال كتب التفاسير وعلوم القرآن وعلوم اللغة والمعاجم وقصائد الشعر، والنتيجة أن المسلمون هجروا الصلة الحقيقية بالقرآن وهى التدبر.
وفهم آيات القرآن له ضوابط منهجية من أهمها فهم سياق الآيات التي جاءت ضمنها العبارة أو الآية، وأيضاً معرفة المخاطب وهو من تخاطبه الآيات بسياقها، والمعني بالخطاب وهو من تتحدث عنه الآيات بهدف توصيل رسالة السورة إليه.
فمثلاً في قوله تعالى: (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ..) البقرة 190، السياق عن القتال، والمخاطب هم المسلمون، والمعني بالخطاب هم قريش التي عذبت المسلمين في مكة، ولما هاجروا للمدينة لاحقتهم لتقاتلهم، وسورة البقرة نزلت قبل معركة بدر ووضعت ضوابط للقتال لكي يتقيد بها المسلمون.
وعندما نقرأ القرآن سنجد أننا نفهمه بالمعنى الموروث، لكن مع تكرار المحاولات سيحل تدبرنا للآيات محل الفهم الموروث.
إن الله تعالي لم ينزل القرآن لنتسابق على قراءته وختمه ولكن لنتدبره ونفهمه ونعمل به، حتى النبي عليه الصلاة والسلام خاطبه تعالى: (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) القيامة 16، إلا أن اهتمامنا بالقرآن الكريم يتركز على قراءته فقط، ونتسابق في ختم أجزائه في شهر رمضان فقط.
لم نسأل أنفسنا كيف نقرأ القرآن قراءة نخرج منها بفائدة؟، وفي كم آية تدبرنا؟، وكم آية أثرت فينا فغيرت وعينا وبدلت من سلوكنا؟، أسئلة لا يهتم الكثيرون بطرحها ولا بالإجابة عنها، ولن نهتم بالفهم إلا إذا أردنا أن نتغير للأحسن وأن يتغير حالنا للأفضل.