رئيس منزوع الإرادة

شخصيا، أعتبر نجاح محمد مرسي في الانتخابات بمثابة نجاح للثورة التي كان سيكتب فصلها الأخير مع إعلان الفريق شفيق رئيسا، وانتصارًا لدماء الشهداء وآلام الجرحى وعذابات الفقراء والمهمشين.
صحيح أنه لا يمكنني القول إن مرسي كان مرشح الثورة، لكنه في مرحلة الإعادة بالتحديد أصبح كذلك وفق إرادة الصناديق، والرؤية الضيقة والأنانية الذاتية لمرشحي الثورة الحقيقين التي أبعدتهم عن المنافسة في جولة الإعادة، وصحيح أن الجماعة حركة إصلاحية لا ثورية، وتحترف طوال تاريخها اللعب على أوراق التوزان والمصالح لكن صحيح أيضا أنها ليست جزءا من الثورة المضادة، لذلك اعتبرت نجاح مرسي نجاحًا للثورة، لكن يبقى الأهم وهو كسر الرابط التنظيمي بين الرئيس والجماعة، حتى لا تصبح الجماعة في نهاية المطاف هى المتحكمة في مؤسسة الرئاسة، وتدفعني إلى تلك الخشية ظواهر كثيرة أريد أن نمعن بها النظر جيدا.
أعلنت الجماعة استقالة مرسي من رئاسة حزب الحرية والعدالة، وبايع المرشد مرسي رئيسا، وأحله من بيعته له مرشدا، تنفيذا لوعد قطعه على نفسه أثناء الحملة الانتخابية، لكن تصريحات قيادة الجماعة في اليومين الأخيرين تنبئ بغير ذلك، وتؤكد أن مرسي لا يزال ابن الجماعة ورئيسا لحزبها، وليس رئيسا لمصر.
لقد عانينا من الفساد والاستبداد طيلة 30 عاما من نظام احتكر السلطة والمال، واستغل رئاسة الرئيس للحزب الوطني للإمساك بمفاصل الدولة ومقدراتها وتوظيفها لصالح رجاله، وهو ما نخشى أن يتكرر مع الرئيس الجديد الذي بات مطالبا بقطع الخط المفتوح مع المرشد في المقطم، وطي صفحة وجوده في الجماعة والحزب، والتصرف كرئيس لكل المصريين، وعليه أن يدرك جيدا أن الجماعة لم تقده إلى القصر الجمهوري بل قاده إليه الملايين الذين صوتوا له من خارج تياره رغبة في وجوده أو اقتناعا بشخصه أو خشية من منافسه، كما أن أكثر من 12 مليون مصري صوتوا ضده، و25 مليونا امتنعوا أصلا عن التصويت، وعليه أن يضع في حسابه دلالة تلك الأرقام حتى لا تغريه أوهام انتصار خادع أو فوائض قوة ليست في رصيده.
إن المتابع لتصريحات قادة الجماعة يجعلنا نشعر بالقلق على إرادة الرئيس المصري، وارتهانها بإرادة ومشروع الجماعة، وإلا ما معنى أن يطالب الدكتور عصام العريان بتأجيل أداء مرسي للقسم لحين البت في شرعية مجلس الشعب، أو أن يعلن صبحي صالح أنه سيؤدي القسم أمام البرلمان المنحل، أو أن يتحدث حسن البرنس عن مفاوضات الحكومة الجديدة.
إن تلك التصريحات الصادرة عن قيادات كبيرة تعني أن الجماعة توظف وجود مرسي في قمة الهرم التنفيذي لتحقيق أهدافها الخاصة، فبعدما تمكنت من منصب الرئيس ومن الجمعية التأسيسية تريد إعادة البرلمان لعلمها أنها لن تحوذ النسبة التي حصلت عليها لظروف استثناية في الانتخابات الماضية، لتكمل سيناريو الاستحواذ.
ورغم اتفاقنا على أن حكم الدستورية بحل البرلمان لحق به الكثير من العورات القانونية والسياسية، لكننا أبدا لا يمكن أن نقفز عليه وندعو المؤتمن على تطبيق القانون والفصل بين السلطات وهو رئيس الجمهورية لعدم احترام أحكام القضاء.
وإذا كانت تلك التصريحات ورقة ضغط في يد الجماعة يستخدمها الشاطر والكتاتني في المفاوضات السرية مع المجلس العسكري، فعليهم ألا يورطوا رئيس مصر فيها، وخوض معركة إعادة البرلمان بأنفسهم لأن لدى الرئيس معارك أهم، وعهود قطعها على نفسه وننتظر تحقيقها بحكومة وحدة وطنية ومؤسسة رئاسة لا تمثل فيها الجماعة.
إن المرحلة المقبلة هى مرحلة بناء واكتشاف لانحيازات الرئيس الاجتماعية والسياسية، وليست مرحة حصد لغنائم جديدة للجماعة.
إننا نريد مرسي رئيسا كما تعهد لكل المصريين، لا رئيس بلا إرادة أو رئيس مرهونة إرادته لدى المرشد والشاطر والعريان في مقر المقطم.