الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

البحث عن الخطاب السياسي


تخيل معى ... سائق ومجموعة ركاب ... السائق يتحدث طول الوقت عن تكاليف السيارة وثمن الكاوتشات والسيارات الأخرى التي تعطلت أو دُمرت في الطريق ويحكى بحماس عن تطوير الاتوبيس وزيادة عدد الكراسى ... السائق يظن أن رسالته تصل وأن الركاب مستمتعون ... لكن الحقيقة ربما تكون عكس ذلك ... الركاب منشغلون بسؤال واحد أين سنذهب؟ ومتى سنصل؟ ... فرد السائق عليهم مقدرش أقول علشان قطاع الطريق والأشرار ... جلس الناس في الاتوبيس يشاهدون تطوير العجلات والتوسعات ... وينظرون من الشباك الى الاتوبيسات المدمرة ... فيتشبثون أكثر بمقاعدهم ... لكن يظل السؤال الذى يقتل لحظات النوم في أعينهم .. احنا رايحين فين وهنوصل إمتى ومصير الأولاد في البيت ايه ؟ . في الواقع هذا تلخيص لأزمة الخطاب السياسي، بين عناصره الثلاثة السائق هو الخطاب السياسي والاتوبيس هو الدولة والركاب هو إحنا.
يصبح النظام السياسي في أزمة عندما تتراجع قدرته على الاقناع ... والقدرة على الاقناع لها شواهد ... أهمها أن يكون الواقع نفسه مقنعا ... بمعنى أن يكون هناك من الإنجازات على أرض الواقع ما يشهد بذلك .. فلا أحد يستطيع أن يقنع الناس بعكس الواقع .. ولا يستطيع أحد أن يقنع الناس بدون خطاب سياسي أيضاً.
للوهلة الأولى سيظن البعض أن الخطاب هو الكلمات التي تُلقى في المناسبات العامة ... لكن الحقيقة أن الخطاب السياسي هو قلب الحالة السياسية ... وهو المادة الخام للسياسة ... وهو حديث النظام للشعب ... وهو رسالة الدولة للمجتمع بكل اطيافه.

الخطاب السياسي ليس مجموعة كلمات تُلقى في المناسبات العامة .. انه خط سياسي وعنوان مرحلة وشعار للتغيير .. وصورة متحركة عن المستقبل المنشود.
الخطاب السياسي هو حديث يستشرف المستقبل .. ويرسخ صورة ذهنية موضوعية حول قضايا اللحظة الراهنة والمستقبل... والخطاب لابد ان يكون نابعا من تصور سياسى وهدف استراتيجي واضح ... ليس شرطا ان يكون ايديولوجيا ... يكفى ان يكون ذا نبرة تجديديه واصلاحية .
إن الخطاب السياسي هو لحظة أمل اجتماعى قبل كل شيء ... إنها برنامج للأمة وليست مجرد شعارات او كلمات تلقى فى المناسبات العامة ... إنها حالة معبرة تستحضر التحديات وتقدم الحلول وترسخ الحلم والهدف.
الخطاب السياسي يوجهه كل مسئول في دولاب السلطة كل حسب مهمته ... وهو خطاب له رؤية مرتبطة برؤية النظام السياسي لنفسه ولدوره الاجتماعى والاقتصادي.
أولى مهام الخطاب السياسي.. هي تبديد الشكوك ... وترسيخ القناعات ... وخلق صورة ذهنية ملهمة للمجتمع ... ونقل الفرد الى حالة إيجابية تجاه التغيير والتطوير والتحديث.
بدون خطاب سياسي واع وصادق وملهم ... يشعر المواطن بأن هناك حاجزا نفسيا بينه وبين كل ما يحدث حوله ... وهذا تحديداً هو أكبر أسباب تفكك وانهيار بنية ومناعة المجتمعات.
بدون خطاب سياسي يفقد المجتمع الصبر على تكاليف فاتورة التنمية ... قراءة الناس للواقع مرتبطة بحجم قدرة الاسرة على الادخار... ومتعلقة بأسعار الخدمات والسلع الغذائية ... وبالوظيفه للابن والعريس للبنت.
إن أي مجتمع سيشعر بالجفوة تجاه النظام السياسي ككل ... إذا فقد الأخير قدرته على مخاطبة الجماهير بالواقع وتحديداته ... والحل المستهدف للتغيير ... وثمار التغيير .
إن الخطاب السياسي يتأسس على أكتاف حالة حزبية نشطة فكرياً واجتماعياً .. ولها خطابها للمجتمع ... والمبنى على العلم والتخصص ووضع آليات للحلول .. وبرامج للمستقبل ... فالسياسة هي وسيلة الحوار السلمى الوحيدة في المجتمع.
الخطاب السياسي ليس وسيلة دفاع فقط ... إنه وسيلة تواصل مع العالم ... وهى وسيلة تعبير عن النموذج الذى يحمله النظام السياسي ... فالخطاب السياسي هو مؤشر على حالة السياسة ... وعلى مدى نضج القائمين على الفعل والقرار.
إن أزمة الخطاب السياسي لم تعد فى مجموعة المشتغلين بالسياسة أو المهتمين بالعمل العام ... المشكلة أننا أمام جيل كامل بات يردد وعن قناعة شعارات الخصوم ... وبات خياله مغتربا عن وطنه ... وأصبحت قناعاته تُصنع في الخارج... وفى ظل أزمة خروج جيل جديد من خارج الاطار الاجتماعى المصرى ... تجد من ينظرون بتعال حول عدم أهمية السياسة.
أزمة الخطاب السياسي هي نفسها أزمة السياسة ... وعدم وجود لغة حوار مع المجتمع ... ستجعلنا أسرى دائماً لحالة الخوف من الفوضى والإرهاب ومصير دول أخرى.


-