المشهد في حالة غياب أبو مازن
في البداية، أود التأكيد على أن المقال ليس دعوة أو تحريضا على القيادة السياسية أو الفصائل الفلسطينية أو حتى على التفكير الاستراتيجي، كما ندرك أن الأمور أكبر وأكثر تعقيدا من قدرتنا أو قدرة أي كاتب على التحليل والتفكير بشكل دقيق وحاسم للخروج وتجاوز المرحلة الصعبة هو ثقتنا بشعبنا وعدالة قضيتنا.
نتابع سياسة التخوين والتشويش والتلويح "إما أنا وإما الطوفان" والتستر وراء الأفكار والشعارات الفارغة لم تعد تجدي بعد وصول نهج التسوية إلى خيار "المزاجية" وأيضا نهج المقاومة، كثر الحديث من قبل العديد من المسئولين والسياسيين الفلسطينيين عن إمكانية انهيار السلطة في ظل التعنت الإسرائيلي حيال عملية السلام من جهة، والانقسام الفصائلي والجغرافي والبحث عن بديل لتجهيز بديل للرئيس أبو مازن لتكريس الارتباك في الصفوف الفلسطينية التي تعيشها وصراع الأجنحة داخلها.
ومن جهة أخرى، الحصار المفروض على قطاع غزة أدى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية، كما أصبح القطاع "مسرحا لكل أشكال الفوضى" ليزيد الأمور التباسا، ويميل نحو التطرف والمزايدة.
والواضح أن الخوف من المجهول وتسارع وتيرة الأحداث بالمنطقة والتغيرات الحاصلة على المستوى الإقليمي والعالمي، أخذت تميل لصالح الواقع "الضبابي"، وهناك انعكاسات خطيرة على القضية تدور في الكواليس بشأن وجود أزمة محتدمة ومفاجآت محتملة في حالة غياب الرئيس أبو مازن أو اختفائه من المشهد، وعدم القدرة على مواجهة الاحتلال والعدوان الإسرائيلي الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني وتهويد القدس والاستيطان وعدم الثقة في النظام الفلسطيني والانقسامات الداخلية، بجانب غياب السلطة التشريعة والرقابية، التخبط في المشهد يجعل المهمة صعبة وشاقة، ومن الواضح أنه صراع مفتوح على المستقبل، وسأقوم بطرح سيناريوهات تساعدنا على خوض معركتنا الوطنية.
السيناريو الأول/ النظرة التشائمية
حالة التيه السياسي والعجز الواضح في تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام التي تعيشها كل مكونات النظام السياسي الفلسطيني من سلطتين وحكومتين وأحزاب تتعاظم يوما بعد يوم، وهذا كله لصالح الاحتلال الصهيوني، فهي المستفيد الأول من الوضع القائم، ما يجعل المراهنة على مزيد من الاقتتال الداخلي ويزيد الأمور تعقيدا قوة تأثير الأجندة الخارجية واختلال موازين القوى، وستكون له آثار سلبية وكارثية على المنطقة، والاحتلال الصهيوني سيحول كل مدينة وقرية فلسطينية إلى كانتون تسيطر عليه إحدى الجماعات الفلسطينية المسلحة، إذًا حل السلطة سيضع الشعب في حالة مواجهة مباشرة وساخنة مع تغيب هويتها الوطنية، وإعادة طرح جميع الأوراق، وأهمها الوصاية والتدويل نتيجة ضغوط أو إغراءات خارجية لأي نظام عربي يعتقد أنه قادر على أن يعيد الشعب الفلسطيني إلى وصايته والمشاركة بهذه المؤامرة، فإنه سيحكم على نفسه بالانهيار والانتحار السياسي، فلا الشعب المصري أو الأردني سيقبل بأن يشارك بهذه الخرافات، ولا أهل غزة والضفة سيقبلون بذلك، ناهيك عن الرفض الشعبي العربي لهذا المخطط.
السيناريو الثاني/ النظرة التفاؤلية
كونوا عقلاء واطلبوا المستحيل في إطار التوازنات الممكنة في المستقبل والمعطيات التي يمكن أن تتطور فيه، إنجاز ملف المصالحة وإنهاء الانقسام والتمهيد إلى الانتخابات البرلمانية والرئاسية من أجل عودة اللاجئين وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف دون التنازل عن الثوابت.
إن الوحدة الوطنية الفلسطينية تعكر المزاج المتطرف داخل الكيان الإسرائيلي وتؤدي إلى إنهاء الائتلاف اليمينى وتمهد إلى ظهور المعتدلين اليهود الذين يؤمنون بحل الدولتين، وهناك فرصة عظيمة لإعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية لتغدو أقرب إلى تمثيل الشعب الفلسطيني بجميع فصائلة وأطيافه وتطلعاته، وأن تبدأ الفصائل بوضع اللمسات الأولى لمثل ذلك التغيير كي يتحول إلى حقيقة واقعية لحظة الفراغ ووقف الفوضى المتوقعة.
السيناريو الثالث/ النظرة الواقعية
إن سيناريو الواقع الحالى وفكرة البحث عن بديل للرئيس الفلسطيني مطروحة من جانب الشعب الفلسطيني، فضلا عن مطالبات بإجراء إصلاحات في الهياكل الداخلية للسلطة ومنظمة التحرير، وما تشهده الساحة الفلسطينية من انقسام وعدم القدرة على مواجهة الاحتلال، كما أن هناك محاولات من جانب أطراف داخلية وخارجية لطرح بديل للرئيس أبو مازن، وهناك مجموعة من الأسماء المطروحة للقيام بهذا الدور، ولكن هناك عقبات وأشكاليات قانونية تحول دون تكليفة بالمنصب.
ويتفق الكثير من المهتمين على أن هذه مناورات لدى أطراف تظهر وتختفي وقت الحاجة إليها، وهكذا، فإنه لابد من التأكيد أن انهيار السلطة الفلسطينية أو اختفاء الرئيس أبو مازن ستكون منظمة التحرير الفلسطينية مسئولة عن الوضع الجديد، وهناك مسارات سياسية وقانونية دولية يمكن اللجوء إليها لوقف الانهيار الكامل وستكون اللجنة التنفيذية هي المفوض بإدارة البلاد للحفاظ على إنجازات الثورة المعاصرة للشعب الفلسطيني، واحتمالية اندلاع حرب في غزة ومواجهات عنيفة في الضفة في حالات الفراغ وقد يكون هناك تخريب سياسي بنظام السياسي الفلسطيني، واللجوء الى الأداة الدعائية لتشوية الأعمال الدبلوماسية وقطع العلاقات العربية والدولية، وستؤدي إلى ضعف الاقتصاد الفلسطيني ومحاصرته وقطع أي مساعدات بحجة الفوضى، والأداة العسكرية واللجوء إلى القوة المسلحة يكون أقرب من أجل السيطرة وفرض الأمر الواقع من قبل الكيان الإسرائيلي من أجل إقامة دولتهم القومية.
وعليه، فإن النهج الوطني هو التحرر من الاحتلال والابتعاد عن الشعارات الزائفة، القيادة التاريخية أو القيادة الدينية أو شريك برأس المال أو ملكا لحزب أو جماعة، بل ملك لمن يستطيع تحمل استحقاقاته النضالية، وحمايته من أي تدخلات خارجية تحرفه عن وجهته الوطنية، ولا يجوز مصادرة المشروع الوطني والاستحواذ عليه بعيدا عن ثوابت التي تتم صياغتها بالتوافق الوطني، ولمواجهة الاستحقاق بإعلان السيادة الوطنية على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة بعدوان 1967 بما فيها القدس بكل ما يتطلبه هذا الموقف من تداعيات، واستحضار لكل عوامل القوة الذاتية والعربية والإقليمية والدولية.