الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الإعلام وانعكاس الواقع المجتمعى


رمضان له مذاق خاص لدى الشعوب العربية والشعب المصرى خاصة، فهو مرتبط فى وجداننا بذكريات الطفولة الجميلة.

ولعب الإعلام دورا كبيرا وأساسيا فى تشكيل وعى ووجدان الشعب المصرى، خاصة فى شهر رمضان، من خلال المسلسلات الإذاعية التى تجسد واقع الأسرة المصرية وانعكاس الأوضاع المعيشية، ومن خلال فوازير نيللى وشريهان وسمير غانم، وفوازير عمو فؤاد، والمسلسل الدينى والمسلسل التاريخى.

كنا نستمتع بتلك الأعمال الفنية الجميلة الهادفة، كانت الخريطة الخاصة بالبرامج فى التليفزيون والإذاعة المصرية خريطة منظمة بمواعيد ثابتة، كان لدينا الوقت المنظم لمشاهدة الوجبات بشكل يسهل علينا هضم واستيعاب الرسالة الإعلامية بتذوق واستمتاع.

عندما كنت أشاهد مسلسلا فى الثمانينيات أو التسعينيات من القرن الماضى، كنت أستشعر أن الفنان أو الفنانة والعمل الفنى يجسد الحياة فى الحارة المصرية ويصف الطبقة الوسطى من المجتمع وصفا دقيقا من حيث لغة الحوار ونوعية الملابس وديكور المسكن، فكانت هناك حبكة سنمائية مدروسة من حيث اتساق الشكل مع المضمون.

وبالعودة إلى رمضان هذا العام، أحسسست بمدى التنافر الوجدانى بينى وبين ما يعرض على شاشات التليفزيون، هناك تزاحم وصخب شديد فى الخريطة الإعلامية للقنوات الفضائية وكأننا فى سباق طوال اليوم ولهث وراء المحطات الفضائية، وكأنه تعمد لإرباك وتشتت عقلية المشاهد.

ما هذا الكم الهائل من المسلسلات؟ وهل هذا احتياج المواطن المصرى فى الفترة الحالية؟ هل هناك مسلسل واحد فقط يناقش قضية تمس المجتمع المصرى وهمومه؟ هل الشريحة الأعظم من الشعب المصرى تلبس تلك الملابس التى تعرض علينا فى المسلسلات؟ هل نسكن فى مثل هذه الشقق والفيلات ونركب السيارات الفارهة؟

هل تلك المسلسلات تعكس الواقع المعاش للشعب المصرى؟ هل ما زلنا فى التقليد الأعمى بدون وعى أو فهم للمسلسلات التركى؟ هل هناك إفلاس لهذا الحد فى الكتابة وسرد تفاصيل الواقع أو حتى رسم المستقبل الواعد بشكل واقعى مرتبط إلى حد ما بإمكانات الحاضر؟

ومع احترامى لجميع الفنانين، هل يستحق الفنان هذه المبالغ الطائلة كأجور لعمله فى المسلسل الفلانى أو العلانى؟ هل الفنون أصبحت بهذه الأهمية فى دوله تستعيد بناء نفسها من جديد؟ هل من الطبيعى الصرف على الأعمال الفنيه كل هذه الملايين وهناك إعلانات للتبرع للعلاج على نفقة الدولة ومستشفى تحتاج إلى بناء أو دواء؟ هل رمضان موسم للتسول على شاشات الفضائيات؟ هل من الأولى أن توفر الجمعيات مصاريف الإعلانات فى الفضائيات وتستكمل بناء المستشفى أو توفير الدواء للمرضى؟ هل نحن فى حاجه لبرامج التهريج الرخيص لكى نستعيد البسمة على وجوهنا؟

أليس من باب أولى أن نستعيد هدوءنا فى هذا الشهر الكريم، من خلال شحن البطارية الروحانية والنفسية من خلال التعبد والتأمل والقراءة والابتعاد عن كل ما هو مشتت للذهن، كفانا استغلال سيئا للشهر الكريم، يكفى كمية الأكل التى يتم تناولها فى هذا الشهر الكريم.

يكفى كمية الوقت الضائع أمام شاشات التليفزيون، يكفى التكاسل واللامبالاة فى مصالحنا الحكومية فى هذا الشهر الكريم، يكفى تعطل غالبية المصالح والأعمال بحجة الصيام، ودائما نؤجل الأعمال بعد رمضان "لأ خليها بعد العيد، وبعد العيد معلش لسه خارجين من رمضان والعيد"، وهكذا نستغل الشهر الكريم أسوأ استغلال.

أدعو الجميع لتنظيم واستغلال الوقت فى هذا الشهر الكريم من خلال القيام بعمل خريطة إعلامية لنفسه دون التقليد أو التأثر بأحد، خريطة إعلامية يحدد فيها مسلسل واحد يقرر يتابعه وبرنامج واحد فقط، ثم يغلق التليفزيون ويتابع الراديو لبعض الوقت ثم يقضى بقية الوقت مع الأهل والأصدقاء الإيجابيين، علينا أن نعيد ترتيب حياتنا ولا نضع أنفسنا موضع استغلال من منتج هنا أو هناك أو نسلم عقولنا لمسلسل تافه أو بدون هدف علينا أن نجبر الكتاب والمؤلفين والمنتجين والفنانين أن يحترموا عقول المصريين وأذواقهم ويعود الفن كما كان وأفضل، فن يخاطب شعبا يتذوق الفن وينقضه ويلفظ ما لا يتناسب مع ذكائه الفطرى.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط