الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

السياسة والاقتصاد... فض اشتباك أول


عانى الاقتصاد المصري طويلًا من غلبه القرار السياسي على الاقتصادي... فتأثرت على مدى سنوات طويلة الموازنة العامة للدولة بأعباء متعددة... منها مثلًا توسيع حجم الانفاق الحكومي على دعم السلع الأساسية دون تحديد للفئات المستحقة... وفى المقابل ضعف الانفاق الحكومى على توفير الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة.. لكن قبل أن يفوتنا فنحن بلد يقدم الخدمات بإنفاق عام ضعيف بالأساس... لكن الدعم ليس السبب الوحيد أو التدخل السياسي الأوحد والذى تسبب في ارتفاع العجز في الموازنة العامة للدولة.

على سبيل المثال أغلب أرباح القطاع الخاص في مصر تخرج من الموازنة العامة للدولة فعليًا.. وهذا نراه في مشروعات الطرق والخدمات.. إذ تعتبر الحكومة هي أكبر مستخدم لإنتاجيات القطاع الخاص وتوكيلاته التجارية المستورِدة ... وكذلك تجهيزات الهيئات الحكومية المختلفة من أجهزة وغيرها من مستلزمات الإنتاج فى المصانع وقطاع الصحة كالمستلزمات الطبية وغيرها من أحتياجات القطاع الحكومى .. بالإضافة طبعًا الى أن رفع الرواتب التي يتقضاها العاميلن بالجهاز الادارى للدولة والتى تخرج من الموازنة العامة للدولة يتجه للانفاق الاستهلاكي من شركات القطاع الخاص. ولهذا فإن شراكة القطاع الخاص والحكومى هي أكبر من فرضيه الاعتماد على القطاع الخاص في مشروعات مقاولات أوغيرها.. لكن هناك مشكلة.

إن محدودية أفق القطاع الخاص تعتبر أحد أسباب عجز الموازنة، إذ أدت الى أن بات الاقتصاد المصرى محلى بأكثر من اللازم، ومحلى ليس بمعنى أنه اقتصاد قيمة مضافة... لا يلجأ الى الاستيراد... وانما من باب الاستسهال توسع القطاع الخاص في الاستيراد... والمضاربات في الأسهم بالبورصة.. وشراء الاراضى بقيم منخفضه بحجة الاستثمار وتسقيعها وبيعها بالسعر التجارى المرتفع.. وقد جرت نفس عمليات البيع لأراضى مصانع القطاع العام التي تم خصخصتها والتي بيعت في السابق بأسعار دفترية.. والمقصود بالأسعار الدفترية هي أسعار الأصول بقيمتها وقت الإنشاء بمعنى قيمتها وقت إنشائها في الستينيات والسبعينيات، كل هذا الى جانب التوسع في الاستيراد .. والذى أدى مع الوقت الى نمو نفوذ الدولار في السوق المحلى حتى وصلنا اليوم الى أن بات أرتفاع سعر الدولار اليوم أحد أسباب ارتفاع عجز الموازنة.
فالقطاع الخاص على سبيل المثال .. لم يقدم مصر للعالم على أنها بلد منتج ومُصٌدر ... وطوال الفترة من 1998 وحتى اليوم .. أخذ الاستثمار الخاص المبادرة الكاملة في قيادة النشاط الاستثمارى .. لم يقم بالتوسع في الإنتاج والتصدير ،وانما أعاد فقط أنتاج نفس الأخطاء الهيكلية التي وقعت فيها الدول التي خاضت عمليات التحول من الاقتصاد الموجه الى الاقتصاد الحر ... وهذا أدى الى تراكم الثروات دون ضمان توزيعها .. واعادة توزيعها ليس المقصود منها أن اخذ من أموال الغنى لأعطى الغير قادر ... وانما أعادة استثمارها مرة أخرى في السوق المحلى .
أن المجتمع يحتاج إلى رأس المال، لأن الاستثمار الخاص هو جوهر الاستثمار الحديث، لكن دون سيطرة رأس المال على الحياة السياسية، وهذا ما ترسخ خلال آخر عشر سنوات من حكم "مبارك"، وكان سبب قيام ثورة 25 يناير.
إن وجود رأس المال في الأنظمة السياسية أصبح نمطًا سائدًا في العالم بشكل عام، ولكن الإشكالية الكبرى في مصر، أن رأس المال يستخدم في خدمة الأفراد، ودعم نفوذهم وليس في الإنتاج.
أن مصر تحتاج إلى ممارسة اقتصاد حقيقي ... والرأسمالية المصرية هي الأساس في هذا الاقتصاد ... لكنها تحتاج لتطوير هيكلي ... أننا نريد قطاع خاص واثق فى نفسه ومبادر ومنتج ... ولا نريد نماذج السمسرة والاستسهال غيرها من نماذج الاتكال على الدولة و البحث عن امتيازات او الفساد ... فالقطاع الخاص فى مصر يعانى من مشكلة فى فهم ثقافة الانتاج والابتكار ... واذا أعاد القطاع الخاص بناء ريادته التكنولوجية والعلمية سيصبح مشروع قومى ينال ثقة المجتمع وفخره.

نحتاج رأس مالية مصرية تفهم دورها الاجتماعى... تعبر عن مصر وسط حجم الاستثمارات الأجنبية القادمة إلى بلادنا خلال السنوات المقبلة ... فالرأسمالية المصرية هي سبيلنا الوحيد للعب دور فعال في اقتصاد العالم .. وهذا معناه أن القطاع الخاص يحتاج الى إعادة هيكلة لاستعادة دوره الخلاق في التنمية والبناء.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط