قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

داعش لا تمزح


بينما كان الصراع خلال معركتي الفلوجة ومنبج الساعيتين لتحرير مواقع جغرافية من سيطرة داعش، ترد عليه القوات الداعشية بتفجيرات متتالية في بغداد، بدءا بتفجير غير مسبوق بحجمه في حي الكرادة، وبنوع آخر من المتفجرات المستخدمة وصفت بكونها c4 + أمونيا، وما تبعه من تفجيرين آخرين في شمال بغداد أحدهما كان في منطقة بلد.. دخلت على الخط الآن معركة الشاحنات الكبيرة، والتي وصفت الشاحنة المستخدمة هذه المرة، بكونها شاحنة تبريد كبرى وزنها 18 طنا، لم يكتف قائدها باستخدام الشاحنة لدهس جمهور المشاة الكثيف المتجمهر للاحتفال بالذكرى السنوية لانتصار الثورة الفرنسية المتمثل يومئذ بسقوط سجن الباستيل الباريسي، بل بادر أيضا لإطلاق النار على المشاة، من نافذة شاحنته التي عثر فيها بعد مقتله على يد الشرطة الفرنسية، على أسلحة نارية ثقيلة ومتفجرات، ما يوحي بتوجهه لتنفيذ عملية أكبر، إضافة لبشاعة ما استطاع تنفيذه فعلا من دهس 80 مواطنا بينهم 17 طفلا وجرح مائة آخرين، منهم 15 جريحا بحالة حرجة، ولكن مقتله حال دون تنفيذ ما كان متبقيا من إرهاب على جدول أعماله.

ولكن هل دخل سلاح الشاحنات كعنصر جديد في المعركة الجارية بين الدول المنضوية في تحالفات تحارب الإرهاب (ومنها فرنسا)، ودولة الإرهاب الداعشية، سواء بعناصرها المنضوية رسميا تحت جناحها، أو أولئك المؤمنين بأفكارها، لكن لم ينضموا إلى صفوفها، مكتفين بالتحول إلى ما يسمونه الذئاب المنفردة الذين يشكل كل واحد منهم دولة إرهابية قائمة بذاتها، وتعتمد مخططاتها الخاصة بها من تمويل وتركيب لمتفجرات يمكن شراء موادها الأولية من الصيدليات العادية؟

الواقع أن استخدام السيارات والشاحنات كوسائل لتنفيذ عمليات إرهابية، لم يكن عنصرا طارئا سواء على الدول العربية، خصوصا العراق وسوريا، أو على الساحة الفرنسية ذاتها، ففي الكثير من التفجيرات التي نفذت في العراق وفي سوريا، جرى استخدام السيارات أو الشاحنات فيها، فتملأ تلك السيارات أو الشاحنات بالمتفجرات، ثم تفجر عن بعد عندما يتعذر إيجاد انتحاري يفجر نفسه في وسط جمهرة من الناس. وعلى صعيد فرنسا ذاتها، هناك أكثر من سابقة على استخدام السيارات أو الشاحنات في عمليات إرهابية سعت إلى قتل الأبرياء.

فحادثة اليوم في نيس، لم تكن الأولى بين هذا النوع من الهجمات، لكنها كانت أبشعها في عدد الضحايا ونتائجها. ويقول شهود العيان، إن السائق كان يقود الشاحنة بسرعة 160 كيلومترا، وإنه قاد الشاحنة على امتداد ثلاثة آلاف متر (أي 3 كيلومترات) قبل أن يتمكن رجال الشرطة الفرنسية من قتله. وتأكيدا لتوجهه لقتل أكبر عدد ممكن من الضحايا، صعد السائق بشاحنته على رصيف الشارع حيث يسير المشاة، ما يفسر النسبة العالية من الضحايا، خصوصا من الأطفال والنساء المحتفلين بعيد الثورة التي حملت للعالم مبادئ حقوق الإنسان التي لا تعترف بها داعش، كما قال الرئيس الفرنسي أولاند في خطابه إثر ذاك الحادث المفجع، معلنا تمديد حالة الطوارئ في فرنسا لثلاثة أشهر أخرى، بعد أن كان قد أعلن قبل يومين فقط، عن توجهه إلى رفعها منذ السادس والعشرين من الشهر الحالي، مرفقا إعلانه ذاك، قراره أيضا باستدعاء الاحتياطي من الجيش ورجال الأمن، لنشرهم في المواقع الفرنسية الحساسة ومنها الحدود الفرنسية مع الدول الأخرى، خصوصا أن فرنسا ضربت من قبل بهجمة كبرى على مجلة "تشارلي إبدو"، وبهجمة أشد وأقسى في قلب باريس، في تشرين الثاني من العام الماضي، في مسرح باتو كلون، وحصد ذاك الهجوم 130 قتيلا.

والمعروف أن مدينة نيس المعروفة باسم الريفييرا الفرنسية، والقريبة من مدينة (امارة) موناكو الشهيرة، هي مدينة ساحلية ويقطن فيها نسبة عالية من المغاربة والجزائريين، علما أن الأوراق والوثائق التي ضبطت في الشاحنة المهاجمة، تشير إلى أن صاحبها فرنسي من أصل تونسي، دون التأكيد بعد بأن صاحب هذه الوثائق هو المهاجم، لاحتمال كون الشاحنة مسروقة، ولم يكن مالكها الحقيقي هو الذي يقودها أثناء الهجوم. وهذا أمر ستكشفه التحقيقات التي تولت أمرها دوائر مكافحة الإرهاب الفرنسية، ما يرجح أن التكييف الأولي لما حدث، هو كونه بدون تردد، عملا إرهابيا آخر من سلسلة العمليات الإرهابية المتعددة التي ضربت فرنسا مؤخرا. ومن المبكر حتى الآن القول ما إذا كان الهجوم قد نفذته داعش بتخطيط منها، كأن يكون المهاجم من المقاتلين الفرنسيين المنضوين في صفوفها، أم بمبادرة من أحد الذئاب المنفردة الفرنسيين، علما أنه من المعروف أن مجموعات داعش، تضم في صفوفها الفعلية، أكثر من ألفي مقاتل فرنسي، أو ممن يحملون جوازات سفر فرنسية لكن من أصل عربي.

ومدينة نيس المعروفة بكونها مدينة سياحية يرتادها بكثافة السائحون من زوار فرنسا، تعرف أيضا بتوجه الكثير من سكانها الفرنسيين، لمؤازرة اليمين الفرنسي المتطرف الذي تقوده السيدة ماري لوبان التي تنافس أولاند على مقعد الرئاسة في معركة الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة بعد قرابة العام. ويرجح بعض المراقبين أن هذه الحادثة، من المتوقع أن تزيد في شعبيتها، وتعزز موقعها في الانتخابات المقبلة، ما قد ينعكس وبالا على عدة ملايين من الجاليات العربية الكبيرة إذا فازت السيدة لوبان، وخصوصا القادمين منهم من شمال أفريقيا كالمغرب وتونس والجزائر، والمقيمين في فرنسا منذ زمن بعيد.

وقد يرى البعض أن هذه الضربة التي وجهت لمدينة نيس، رغم تلقي سكانها وزوارها بشاعة مصائبها وخسائرها، فإن مصيبة قاسية مشابهة، قد أصابت أيضا بشكل خاص، تطلعات الرئيس أولاند في حظوظه للفوز بدورة رئاسية ثانية. وهذا يفسر، إضافة إلى أسباب أخرى ومنها ازدياد العمليات الإرهابية الموجهة ضد الفرنسيين، مبادرته لا لتمديد حالة الطوارئ فحسب، بل لتوجهه أيضا لاستدعاء الاحتياط في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية.

فبعد الهجمة الباريسية في نهايات العام الماضي، وقبلها غزوة "تشارلي إبدو"، كما يسميها الداعشيون، قام الرئيس الفرنسي بجولة على عدة عواصم غربية ودولية بما فيها واشنطن وموسكو، حاثا على التشدد في مقاومة الإرهاب ومحاربته. ويرجح أن يلجأ الآن إلى الدعوة للشروع بحرب حقيقية وجدية جدا ضد تنظيم الدولة الإسلامية، فالحرب معها ليست حربا سهلة، وتحرير بعض المواقع الجغرافية من سطوتها، لا يعني أبدا اقتراب نهايتها.

فالدولة الإسلامية لديها مخططيها الذين يلجأون لأسلوب الكر والفر، وتفعيل الهجمات المضادة القادمة من خلف المهاجم نتيجة استخدام الأنفاق التي عرفت للمرة الأولى في حرب فيتنام، كما تستخدم نهج التفجيرات في مواقع الاكتظاظ البشري، ولكن الأهم من ذلك، أنه إذا كانت التحالفات القائمة، سواء الأمريكية أو الروسية، تستخدم مساحة جغرافية محدودة ضمن الحدود العراقية والسورية والليبية، فإن داعش تخوض حربا في مساحة جغرافية أوسع كثيرا، لأنها تضرب أيضا في فرنسا وبلجيكا ودول أخرى عديدة. إنها مستعدة لأن تضرب في كل أنحاء العالم كلما أتيحت لها الفرصة لذلك.

ومن هنا بات من الضروري التعامل مع داعش، بجدية أكبر، بل لا بد، ليس مجرد الاكتفاء بالتطلع إلى مزيد من التنسيق بين موسكو وواشنطن كما هو حادث الآن في اجتماع موسكو الذي ضم بوتين، لافروف وجون كيري، بل المطلوب الآن، باسم الضحايا الذين سقطوا في الكرادة، وفي نيس، وفي حلب، وفي غيرها من المواقع التي ضربها الإرهاب، وجوب توحيد التحالفات المتعددة، الروسية، الأمريكية، الإسلامية، ذلك أن العالم يواجه عدوا خطرا، بل خطرا جدا، فلا يجوز بعد الآن الاستخفاف بقدرات التنظيم، خصوصا أنها تملك سلاحا أشد بطشا من سلاح الطائرات والصواريخ الأرضية والجوية التي تستخدمها التحالفات القائمة.. إنه سلاح المناداة بأفكار دينية متشددة، تلقى للأسف صداها في عقول البعض، بسرعة أقوى وأكثر تأثيرا من سلاح كل الصواريخ والقذائف التي تستخدمها التحالفات المتعددة.

رجاء، كفاكم مزاحا مع الداعشيين، هكذا ينادي البعض، وابدأوا جميعا مجتمعين، حربا جدية ضدهم، حربا لا ترحم ولا تتهاون، وإلا توجب عليكم إعداد مزيد من التوابيت والأكفان لدفن مزيد من الضحايا الذين سقطوا بالأمس في العراق وفي سوريا، وسقطوا اليوم في فرنسا، لكنهم قد يسقطون غدا في لندن وواشنطن، بل وفي موسكو أيضا.