قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

روسيا وتركيا.. زواج فرضته الظروف!!!

0|السيد العادلى

التقارب بين روسيا وتركيا بالسرعة المذهلة التي حدثت خلال الأيام القليلة الماضية تؤكد فعلا أن السياسية تفتقد للثوابت والقيم التي يتغني بها العالم، وأن القيم والمثل السامية تتناقض تماما مع اللعبة السياسية التي تدار علي طريقة افعل عكس ما تقول.

ينطبق هذا الأمر علي العلاقات الروسية التركية التي شهدت توترا كبيرا خلال الشهور القليلة الماضية وصلت إلي حد إمكانية نشوب حرب بين البلدين، ووضع الجيش الروسي فوهة مدافعة تجاه الأراضي التركية وأمتلئ خزانات الطائرات بالوقود استعدادا لتوجيه ضربات جوية علي الأراضي التركية ويرد الجانب التركي باستعدادات مماثلة ويضع أردوغان ونظامه الدولة الروسية علي قائمة الدول المعادية ويرفع حالة الإستعدادا للقصوى للرد علي أي ضربات روسية محتملة علي بلاده .

لكن يبدوا أن التطورات السريعة في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط خاصة في تركيا بعد الانقلاب الفاشل الذي قاده مجموعة من الضباط الأتراك في منتصف شهر يوليو الماضي جعلت أردوغان ونظامه يفكر في تحسين علاقته مع الجانب الروسي، وأعلن بالفعل أنه مستعد لتقديم الطيار الذي أسقط الطائرة الروسية للمحاكمة وتسليمه لروسيا، وهو الأمر الذي وصفه المحليين السياسيين أن تصريحات أردوغان مغازلة سياسية صريحة ورضوخ للضغط الروسي والتخلص من قادة الانقلاب الفاشل وكسب ود بوتين وإعادة العلاقات الحميمة بين أردوغان وبوتين .

وكان الرئيس الروسي بوتين أثناء زيارته لليونان نهاية شهر مايو الماضي عن رغبته في تحسين العلاقات بين البلدين، شرط أن تأتي الخطوة الأولى من تركيا، ردّت هذه بتصريحات إيجابية من نائب رئيس الوزراء نعمان الدين قورتولموش، ومن الرئيس أردوغان نفسه.

ثم استمرت عمليات التهدئة والتقارب برسالتي تهنئة من أردوغان، ورئيس وزرائه بنيالى يلد ريم بالعيد القومي الروسي، رحّب يهما الكرملين، ولكن اعتبرهما غير كافية لتحسين العلاقات انتظارا الخطوة العملية الأولى من أنقرة، لكنه يعتبر أن تركيا بدأت في اتخاذ الخطوة الأولي التي طالب بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبدا الطرفان " بوتين أردوغان " يبحثان كيفية تجاوز الأزمة النفسية السياسية الاقتصادية والإعلامية، بين الجانبين حيث طالبت روسيا بالاعتذار والتعويض ومحاسبة المسئولين عن إسقاط الطائرة السوخوي في نوفمبر الماضي، بينما ترد تركيا بأنها قامت فعلًا بمحاسبة الشخص المسئول عن مقتل الطيار الروسي الذي هبط اضطراريًا في الأراضي التركية.

وانتهي الأمر بالاعتذار المهين كما وصفه المتابعون رغم ان أردوغان هو نفسه الذي قال بعد إسقاط الطائرة الروسية، لن نعتذر حتي ولو أدي الأمر إلي نشوب حرب بيننا وبين روسيا “هؤلاء الذين انتهكوا مجالنا الجوي هم من يجب أن يعتذروا”، هكذا قال أردوغان في تصريح لـ “سي ان ان” بعد يومين من إسقاط الطائرة، ولكن بعد سبعة أشهر تقريبا تغير الأمر تماما وجاء الاعتذار التركي بمثابة صدمة للشعب التركي وسخرية بالمنطقة العربية والشرق الأوسط كله، وأرسل أردوغان رسالة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعرب فيها عن “التعاطف والعزاء” لـ “أسرة الطيار الذي قتل في الحادث”، حسبما قال المتحدث باسم الكرملين .

لكن دعنا نتفق علي أن الاعتذار التركي جاء علي طريقة " مجبر أخاك لا بطل " وكما يبدوا أن الاعتذار التركي يأتي متأثرا بعدة أمور أهمها الاقتصادية والسياسية والأمنية .

- الأمور الاقتصادية بدليل ان العقوبات الاقتصادية التي فرضها الجانب الروسي علي نظيره التركي بعد حادث الطائرة تسببت في خلل كبير في الاقتصاد التركي وترك أثرا عميقا وركود في جوانب كثيرة منها السياحة حيث تستقبل السياحة التركية أكبر عدد من السائحين الروس وتدر دخلا كبيرا علي قطاع السياحة التي شهدت ركود وإغلاق لشركات سياحية كبري بسبب العقوبات الروسية علي تركيا وبالتالي رأي أردوغان أن الاعتذار هو الطريق الوحيد لعودة السياحة الروسية ووجد ان الاعتذار ضرورة خاصة بعد الثبات الروسي والقدرات الروسية، فكان علي أردوغان أن يطمع في تحسين الوضع السياحي وتفادي اثأر العقوبات الروسية بجانب تأثر الاقتصاد الزراعي والتجاري لخسائر فادحة وهو الأمر الذي جعل تركيا تسعي لهذا الاعتذار وإعادة العلاقات إلى تطوير التعاون التجاري والاقتصادي مع موسكو لتعويض الخسائر الاقتصادية التركية الضخمة.

- الجانب السياسي يرتبط بالجانب الاقتصادي حيث تريد أنقرة تحسين العلاقات مع موسكو، وإعادتها لمستواها الطبيعي، عندما كانت الخطوط السياسية مفتوحة على أعلى المستويات، وكان حجم التبادل التجاري السنوي أكثر من ثلاثين مليار دولار، منها 20 مليار تقريبا تأتي عبر موسكو من عوائد بيع الغاز الطبيعي لأنقرة.

- أما الجانب الأمني فإن أردوغان ونظامه شعر أن العمليات الإرهابية التي حدثت خلال الشهور الماضية والتي وصلت إلي مطار إسطنبول بسبب دعم موسكو لهذه العمليات بجانب الانقلاب الفاشل الذي حدث في منتصف مايو الماضي واهتزاز عرش أردوغان لمدة ساعات كادت أن يفقده لولا تدخلات خارجية وأشياء أخري خدمت وساعدت علي بقاء أردوغان ونظامه علي سدة الحكم في تركيا التي تعاني من انقلابات متكررة علي مدار العقدين الماضيين .

كما أن التقارب التركي مع روسيا يأتي في سياق إعادة ترتيب تركيا لعلاقاتها الخارجية مع دول الجوار، وتقليل العداوات وزيادات الصداقات، كما قال رئيس الوزراء بنيالى بلدريم فيما يمكن اعتباره تحديث ما لسياسة تصفير المشاكل التي تسبب فيها رئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو، بجانب الشعور بالمرارة بعد أن خذل حلف الناتو حليفته الكبرى " أنقرة " وتركها وحيدة في مواجهة روسيا في حادثة إسقاط الطائرة، وبدا لسان الحال الغربي الأمريكي تحديدًا أن أنقرة أخطأت بإسقاط الطائرة، وما كان يجب أن تصل الأمور إلى هذا الحد، ثم طالب الحلف بعد ذلك بحلّ المشكلة وديًا، وتحسين العلاقة، وعدم توترها مع روسيا في القضية السورية تحديدًا.

في النهاية تركيا لجأت إلي طلب الزواج من روسيا بعد أن شعرت بتخلي الناتو عنها ومواقفه المخذله للدولة التركية وبياناتها الباهتة التي خرجت إثناء الانقلاب الفاشل ، وتخلي الناتو عن تركيا أيضًا في القضية السورية، وحصار موسكو وعقابها، وإقامة منطقة آمنة للمعارضة واللاجئين شمال سوريا جعل الجانب التركي يميل ناحية الدب الروسي وينجح في تحسين علاقاته سريعا مع موسكو في إشارة إلي محاولة الانسلاخ من حلف الناتو والبحث عن تسويات جديدة الخاصة بالعلاقات الخارجية مع دول المنطقة العربية وبالتالي فإن أنقرة وموسكو اتفقا علي الزواج الإجباري الذي فرضته الظروف السياسية وتتحكم فيه المصالح ويسير خلف أهواء سياسية وإستراتيجية انهزامية جديدة للإدارة التركية ونجاح الدب الروسي في السير بخطي ثابتة لإرثاء قواعد وشروط جديدة للعبة السياسية في منطقة الشرق الأوسط .