الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

النظافة سلوك حضاري ومظهر إيماني


كثرًا ما كنا نردد منذ فترة، كلمة النظافة من الإيمان، عندما نجد شيئا أو مكانا غير نظيف، وكان يلفت نظرنا ويسبب لنا الاشمئزاز، وأتذكر قديمًا عندما كنا تلاميذ فى المدرسة الابتدائية وحتى الإعدادية، كان هناك مشرف داخل المدرسة مهمته هو التفتيش على النظافة الشخصية للتلاميذ، فكان يفتش على المناديل، منديل للوجه ومنديل للأنف، وينظر فى طول الشعر ونظافته، وهل الأظافر مقصوصة أم لا، هل الملابس مكوية ونظيفة ؟ وكان هناك دروس عديدة فى العلوم تركز على أهمية غسل الأسنان يوميًا، وغسل اليدين قبل الأكل وبعده، وغيرها من السلوكيات الحميدة التى تحافظ على سلامة الصحة، وعدم تأذى الآخرون سواء من الشكل أو المضمون للشخص غير المهتم بنظافته.

 والنظافة ليس لها علاقة بالغنى والفقر مطلقا، فكم ذهبنا لدى زملاء لنا فى الدراسة وهم من متوسطى الحال وأحيانًا من الفقراء البسطاء ولكن كنا نجد أكواب الشاى تلمع كما الكريستال، وأدوات المائده تضوى كما الماس، وحمام المنزل نظيف، وبالمثل كنا نذهب عند بعض الأصدقاء من الأغنياء أصحاب الفيلل والقصور، وكنت أشعر بعدم الراحه والاشمئزاز لعدم نظافة المنزل أو الغرف أو حمام القصر. 

وكنت وقتها أعلم جيدًا أن النظافة سلوك شخصى بحت ليس له علاقة بالغنى أو الفقر، وما زاد من استغرابى أن عدم النظافة سواء النظافة الشخصية للإنسان أو نظافة الأماكن فى مصر أصبحت ظاهرة عامة مع كل أسفى وحزنى وهذا ما دفعنى للكتابة فى هذا الموضوع، فأصبحت أقارن بين نظافة الأماكن فى مصر وفى بعض الدول الأخرى كسلوك حضارى يدل على وعى واهتمام الشعوب بأفرادها، فأجد الحمامات فى الأماكن العامة فى بعض المولات والمطاعم غير آدمية بالمرة لا يوجد بها مناديل لليد وإن وجدت تكون حكرا فى يد عامل الحمام للدفع للحرمان من تنشيف يدك، فى أماكن كثيرة مطاعم فاخرة وبعض الفنادق أجد مناديل اليد بالعدد وكأنها سلعة نادرة أو استخدمها منعدم، وأنظر على أرضيات معظم الأماكن أجدها غير نظيفة وكأن العامل يقول فى قرارة نفسه سوف تتسخ ثانية لماذا أنظفها، والأخطر من ذلك فى مطاعم تقديم الوجبات يقدم العامل الطعام بيده دون أن يلبس الجونت الخاص بالتقديم وملابسه متسخة للغاية وإذا لفت نظره الرد جاهز زحمة الشغل ياباشا وكأن ضغط العمل مبرر لعدم النظافة، مقارنة بالعامل السورى أجده يضع فى يده الجونت وملابسه بيضاء ناصعة ومغطى شعره بغطاء الشيف، وهنا يستحضرنى موقف حدث لى فى مدينه السادس من أكتوبر ، كنت أبحث عن محل لتقديم العصائر الطبيعية فوجدت بالمصادفة محل عصير مصرى وبجواره محل عصير سورى ودخلت فى البداية للمصرى ونظرت إلى أرضية المكان وشكل الأدوات وشكل البائع والعاملين فى المكان وشكل الفاكهة البهتان للغاية وأصابنى الذهول وطلبت منه زجاجة بها عصير، وإذا به يأتى لى بذجاجة لا تصلح للشرب على الإطلاق ويحاول يقنع فى إنها زجاجة نظيفة وتمام يا باشا، وللأسف تركته، ودخلت إلى المحل السورى، وإذ أفاجئ بابتسامة عريضة على الرغم من ازدحام المكان وانشغال البائع، وجدته مرحبا بى وطلبت منه أن يعرض علي زجاجات العصير، لأجدها زجاجات نظيفة للغاية ويلبس فى يده الجونت والمريلا الخاصة بالعمل وصوته هادئ ونظافة المحل تشجع على الشراء وتشعرك بالراحه النفسية والإضاءة مريحة والموسيقى هادئة فهو يعمل فى صمت حقًا.
 
الموقف الآخر وهو صادم بالنسبة لى، عندما قمت فى الأسبوع الماضى بعمل تجديد لرخصة القيادة الخاصة، طلب منى شهادتين باطنة ونظر، وذهبت إلى أحد المستشفيات الحكومية الملاصقة للمرور لكى نجرى الإجراء الروتينى الذى ليس له أى لزوم على الإطلاق حيث انتظرت فى المستشفى حتى يقدموا لى الشهادتين مختومتين بخاتم المستشفى، وأثناء انتظارى نظرت إلى أرضية المستشفى ووجدت بقع الدماء ومناديل الورق والقمامة فى طرقات وممرات المستشفى، ناهيك عن الحمامات التى لا تصلح لغير البنى آدمين أصلًا وأرى العمال المتخصصين فى نظافة المكان تركوا عملهم وأصبحوا مخلصتية للمرضى وزوار المكان، كل واحد منهم عايز حاجه ياباشا أعملهالك عايز حاجة أجبهالك من تحت ، وتركوا مهنتهم الأصلية النظافة وأصبحوا مخلصتية، وبعد الانتهاء من الشهادتين ودفع الفلوس والإكرامية والبقشيش، أخطأت وطلبت من الممرضة منديلا ورقيا أجفف به عرقى فنظرت لى بابتسامة ساخرة أجيبه منين مافيش هنا مناديل خالص، طيب ظرف ورق أبيض توضع به الشهادات يااه وهذا أيضًا من المحرمات أمسكهم فى يدك زى الناس، أصابنى الاستغراب والدهشة، هل السلوكيات البسيطة التى نرى بها الذوق والنظافة والأدب أصبحت رفاهية فى هذا المجتمع أو دلع، يحزننى أننا ابتعدنا عن ركن أساسي من ديننا الإسلامى بل وجميع الأديان وهو النظافة، ركزنا على الشكل فى الدين وممارسة الطقوس، وتناسينا المضمون وروح الإيمان وجوهره الطاهرة والنظافة من حيث الشكل والمضمون، أتمنى أن نشدد فى منازلنا ومدراسنا وجامعتنا وإعلامنا وجوامعنا وكنائسنا والنوادى على أهمية النظافة، ابدأ بنفسك وبأسرتك وبمنزلك من الداخل ومن الخارج وبسيارتك وبمكتبك، كن عدوى إيجابية لمن حولك، تذكر أجدادنا الفراعنة وتشديدهم فى نصوصهم القديمة على عدم تلويث نهر النيل، لا تلقى القمامة فى الشارع، أهتم بنظافتك الشخصية، تذكر أن تغييرك سوف يغير العالم من حولك. 
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط