لماذا يخططون لإسقاط الكنيسة المصرية ؟!

هل سأل أحدكم نفسه : لماذا يستهدف الإرهابيون والمتشددون والقوى التي تحركهم الكنيسة المصرية ، ولماذا هذه الحملات المسعورة التي تشنها جماعة الإخوان الإرهابية على الكنيسة المصرية ورمزها مرارا وتكرارا ً على قنواتهم الفضائية الممولة من قطر وتركيا ؟
والإجابة عن هذا السؤال تتطلب منا أن نقفز للسنوات الأخيرة في عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك ، حيث كانت التيارات المتطرفة من الإخوان وبعض السلفيين والقنوات العميلة لإسرائيل كقناة الجزيرة القطرية يشنون حروبا بلا هوادة ضد الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وضد البابا الراحل الأنبا شنودة الثالث في محاولة منهم لإسقاط الكنيسة المصرية وتشويه دورها الوطني المشهود له عبر التاريخ في حماية وحدة الدولة المصرية.
كانت تستهدف هذه الحملات تأليب البسطاء والمتطرفين ضد الكنيسة وأقباط مصر لإشاعة فوضى عارمة في الشارع المصري تؤدي إلى حرب أهلية طاحنة تعطي للقوى المعادية لمصر للتدخل في شئونها الداخلية لإتمام مخطط تقسيم مصر في إطار مشروع الشرق الاوسط الجديد.
فرأينا بأم أعيننا وسمعنا بآذاننا اتهام سليم العوا للأقباط بأنهم يخزنون اسلحة في الكنائس والأديرة على قناة الجزيرة ، ورأينا حملات ممنهجة من التيارات السلفية والمتشددة تتهم الكنيسة المصرية بحماية الفتيات القبطيات اللواتي تحولن إلى الإسلام وإخفائهن في الأديرة ، ورأينا استقطاب التيارات المتشددة والتكفيرية لبعض الأقباط الذين لديهم مشكلات خاصة مع الكنيسة في مسائل الأحوال الشخصية ليكونوا خناجر مسمومة في ظهر الكنيسة وأبواقا ناعقة ضد البابا شنودة؛ بل ورأينا ظهور ما يسمى بجماعة "العلمانيين المصريين"بقيادة " كمال زاخر" والتي اتخذت من الإصلاح شعارا ً للهجوم على الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والبابا شنودة الثالث.
والأخطر أننا رأينا لأول مرة في تاريخ الكنيسة المصرية وفي تحدِ صارخ لقوانين الكنيسة القبطية اصطناع " بابا موازٍ للكنيسة القبطية الأرثوذكسية " وهو" ماكس ميشيل حنا " المعروف إعلاميا بــ " الأنبا مكسيموس الأول" وذلك للإمعان في التنكيل بالكنيسة القبطية والإنتقام منها بسبب وطنيتها ولأنها تقف حجر عثرة في مواجهة مخطط التفتيت والتقسيم.
كما لاحظنا ورصدنا حملات منظمة وممولة من بعض المتطرفين لأسلمة الفتيات القبطيات القواصر ؛ في تحدٍ صارح للإسلام الذي يؤكد على حرية العقيدة واحترام الشعائر الدينية لغير المسلمين، ومن المفزع أن هذه الحملات كانت تتم بمعرفة وبرعاية ومباركة بعض رجال الأمن الفاسدين في عصر مبارك.
كما رأينا جماعة الإخوان الإرهابية تتهم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بأنها دولة داخل الدولة تعقيبا على وقوف البابا شنودة الثالث ضد قرار المحكمة الإدارية العليا بإلزام الكنيسة المصرية بالزواج الثاني للمطلق عندما قال " نحن لا تلزمنا إلا تعاليم الإنجيل " وأكد وقتها تعقيبا على هذا القرار بأن الإسلام قال " وإن أتاك أهل الذمة فأحكم بينهم بحسبما يدينون " ، هذا بجانب حملات أخرى مثل حملة "مقاطعة النصارى" و " حملة قص شارب شنودة " ، وغيرها من الحملات بجانب بعض الفتاوى التكفيرية التي كانت سببا رئيسيا في اندلاع مزيد من جرائم العنف الطائفي ضد الأقباط والكنائس ، وهي فتاوى تتنافى تماما مع سماحة الإسلام ووسطيته واعتداله.
فهذه المقدمات كانت لتمهيد المشهد السياسي لثورة 25 يناير 2011 ، واستنفار الغضب القبطي ضد النظام الحاكم وقتها لاسقاطه بعد تفخيخ المشهد السياسي والإجتماعي وشحن الأقباط وتألبيهم ضد الدولة ، ولكن هذا لم يحدث بل كانت الكنيسة المصرية واقباط مصر يضربون أروع الأمثلة على حماية الدولة ووحدتها ورفضها لأي تدخل خارجي ، في أحلك الظروف مثل مذبحة ماسيرو التي هزت الضمير العالمي وقت حكم المجلس العسكري ، ومذبحة الخصوص التي اعقبها استهداف الإخوان للكاتدرائية المرقسية بالعباسية وقت حكم الرئيس المعزول محمد مرسي.
وسيسجل التاريخ للكنيسة القبطية موقفها المشرف الذي هو امتداد لتاريخها النضالي في حماية مصر ووحدتها ورفضها للتدخل الدولي عندما استهدفت جماعة الإخوان واحرقت ما يقارب 81 كنيسة بالمنيا وبعض المدن عقب فض اعتصامي رابعة والنهضة بعد ثورة 30 يونيو 2013 ، وهذه الجريمة البشعة كانت ردا على وقوف الكنيسة المصرية بجانب الدولة في ثورة 30 يونيو ورفضها لمخطط التفتيت والتقسيم والإنحياز للإجماع الشعبي في مساندة الجيش والشرطة ، وكان الإخوان يستهدفون من هذه الجريمة أن يستنجد الأقباط والكنيسة بالغرب والتدخل الأجنبي إلا أن الكنيسة وقفت شامخة في مواجهة مخطط التقسيم وقال البابا تواضروس الثاني وقتها " إن حرقوا الكنائس سنصلي في المساجد " وقال وقتها قولته الشهيرة التي أصبحت من الأقوال المأثورة والمحفورة في وجدان الشعب وفي التاريخ المصري " وطن بلا كنائس خير من كنائس بلا وطن".
وكان الرجل محقا وواعيا عندما اطلق هذه الحكمة النابعة عن ضمير وطني وديني حي ، لأنه كان يعلم يقينا أنه عندما تسير أي دولة في منحى اللا دولة فلن تكون هناك كنائس ولن اكون مبالغا إذا قلت ستطول الفوضى ويد الإرهاب والغدر المساجد أيضا ، ولكن عندما يكون هناك وطن تكون هناك مؤسسات وقانون ودور عبادة وتُحترم إنسانية الإنسان".
ولعل الحادث الإرهابي المروع الذي استهدف الكنيسة البطرسية امس الاول يؤكد على أن جماعة الإخوان والتيارات التكفيرية والقوى الدولية الداعمة لهم مثل قطر وتركيا وإسرائيل ماضون قدما للانتقام من الكنيسة المصرية ومعاقبتها على وطنيتها ومواقفها الثابتة في دعم الجيش المصري والشرطة ووحدة الدولة ، فحادث الكنيسة البطرسية أيضا كان مخططا له أن يحدث حالة من الفوضى والحرب الأهلية في الشارع واستدعاء الأقباط والكنيسة للتدخل الدولي إلا أن الكنيسة والمسلمين والأقباط ضربوا أروع الامثلة على الترابط والوحدة والتماسك والانحياز أكثر لوحدة مصر وجيشها وشرطتها ، واحبطوا المخطط واجهضوه ، ليؤكدوا للعالم أن مثل هذه الجرائم الإرهابية ستزيد الكنيسة والمسلمين والأقباط وحدة وترابطا إلى يوم الدين.
وستظل الكنيسة المصرية حجر عثرة وحائط صد وصخرة قوية ثابتة راسخة في مواجهة الأجهزة المخابراتية والدولية وأذرعها في الداخل التي تريد أن تمرر مخطط التقسيم في مصر لإشاعة الفوضى والحروب الأهلية لإنهاك الجيش المصري واسقاطه.
والحق أقول إن الحرب على الكنيسة المصرية وتشويهها سيزداد كل يوم ضراوة في محاولة من القوى المعادية للدولة المصرية لإضعاف قوتها الناعمة وتأثيرها الروحي والتاريخي وهي حرب لم ولن تنجح ، ولنعلم جميعا أن محاولة اسقاط الكنيسة وتشويهها وشن حروب قذرة ضدها وسيلة تكتيكية لتحقيق هدف استراتيجي وهو اسقاط الجيش المصري والرئيس السيسي.
وبالتالي على الرئيس والبرلمان سرعة التعامل بحسم وحزم مع اي جرائم او محاولات تستهدف النيل من وحدة مصر عبر استهداف الكنيسة أو الازهر بإدراج جرائم العدوان على الكنائس ودور العبادة أو التحريض ضدها بكافة الأشكال وكذلك الضرب والطعن والتشويه في الرموز الدينية الإسلامية والمسيحية ضمن قانون مكافحة الإرهاب أو ضمن الجرائم التي تلاحَق بقانون المحاكمات العسكرية بجانب سرعة تطوير الخطاب الديني وعلاج المشكلات الإجتماعية التي تدفع بالشباب والبسطاء للارتماء في أحضان قوى مخابراتية أو جماعات إرهابية متشددة وأول هذه المشكلات الفقر والفساد.
فمكافحة الإرهاب بالقانون وحده سيفشل بل سيزيد الإرهاب تغولا وانتشارا خاصة في مواجهة جماعات أو أفرادا يرون في الموت والتفجير والقتل قمة متع الحياة ليفوزوا بالحور العين.