قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

قصة تنازل الملك "فاروق" عن الحكم عام 1942 بعد محاصرة الإنجليز قصر عابدين


لحظة التنازل عن الحكم هي أقسى لحظة في حياة أي حاكم أو رئيس، خاصة إذا كان يقدم على تلك الخطوة مجبرا؛ وتتضمن قائمة الحكام الذين تنازلوا عن الحكم عددا كبيرا من الحكام الذين كان لهم شهرة ومكانة تاريخية كبيرة، ولعل أبرزهم إمبراطور فرنسا "نابليون بونابرت"، ملك بريطانيا "إدوارد الثامن" الذي تنازل عن العرش بسبب مطلقة أحبها، وبالطبع الملك "فاروق الأول".

ومن المعروف أن الملك "فاروق"، آخر ملوك مصر وآخر من حكمها من الأسرة العلوية، اضطر للتنازل عن الحكم بعد قيام ثورة 23 يوليو عام 1952، لابنه الطفل "أحمد فؤاد"، الذي ما لبث أن تم خلعه، وتحولت مصر من ملكية إلى جمهورية؛ وغادر الملك "فاروق" مصر مساء يوم 26 يوليو عام 1952 من قصر رأس التين بالأسكندرية على متن اليخت الملكي "المحروسة"؛ وأقام بعد ذلك في منفاه بالعاصمة الإيطالية "روما"، حتى توفي عام 1965.

والجدير بالذكر أن تنازل "فاروق" عن العرش عام 1952، لم يكن تنازله الأول، إذ أنه تنازل من قبل في ظروف مختلفة، لكن لم يتم تنفيذ ذلك التنازل، وهو ما عرف باسم "حادثة 4 فبراير عام 1942".

وملخص تلك الحادثة هو أنه في يوم 4 فبراير عام 1942، قامت قوات الاحتلال البريطانية بمحاصرة الملك فاروق في قصر عابدين، وأجبره السفير البريطاني السير "مايلز لامبسون" على التوقيع على قرار باستدعاء "مصطفى النحاس"، زعيم حزب الوفد، لتشكيل الحكومة بمفرده أو التنازل عن العرش.

يذكر أن تلك الحادثة وقعت خلال الحرب العالمية الثانية، وكانت القوات الألمانية بقيادة "إرفين رومل" في العلمين في يوم 2 فبراير؛ وبشكل عام كان الموقف العسكري مشحونا وبالغ التعقيد والخطورة، لذلك طلب السفير البريطاني من "فاروق" تشكيل وزارة تحظى بتأييد الرأي العام، وتستطيع في الوقت ذاته إحكام قبضتها على الوضع الداخلي، كما تلتزم بالمعاهدة المصرية البريطانية التي عقدت عام 1936 نصا وروحا، على أن يكون ذلك في موعد أقصاه 3 فبراير 1942.

وقام "فاروق" باستدعاء قادة الأحزاب السياسية في محاولة لتشكيل وزارة ائتلافية، إلا أن جميع قادة الأحزاب، باستثناء "النحاس"، كانوا مؤيدين لفكرة الوزارة الائتلافية برئاسته، ويرجع السبب وراء رفض "النحاس" لذلك إلى أن تلك الوزارة من شأنها أن تحول دون انفراد حزب الوفد بالحكم، خاصة وأن له أغلبية بالبرلمان.

فطلبت بريطانيا من سفيرها أن يوجه إنذارا شديد اللهجة إلى "فاروق"، وفي صباح يوم 4 فبراير، طلب السفير مقابلة رئيس الديوان الملكي "أحمد حسنين" وسلمه إنذارا نصه: "إذا لم أعلم قبل الساعة السادسة مساء أن النحاس باشا قد دُعى لتأليف الحكومة، فإن الملك فاروق يجب أن يتحمل تبعة ما يحدث".

إلا أن ذلك لم يكن مجرد إنذار أو تهديد، فيبدو أن بريطانيا كانت تعد بالفعل خلفا لفاروق في حكم مصر، وكان المرشح هو ولي العهد الأمير "محمد علي توفيق"، أكبر أفراد أسرة محمد علي سنا، والذي كان يأمل في الوصول لحكم مصر لسنوات طويلة.

لكن "مصطفى النحاس" رفض ذلك الإنذار، قائلا: "لست أنا من أستند إلى أسنة الرماح"؛ وفي مساء ذلك اليوم، توجه السفير برفقة قائد القوات البريطانية في مصر وعدد من الضباط البريطانيين المسلحين إلى قصر عابدين، وقاموا بمحاصرته بالدبابات والجنود، ودخلا إلى مكتب "فاروق" برفقة "أحمد حسنين" باشا، وقام السفير البريطاني بوضع وثيقة التنازل عن العرش أمام الملك، وجاء في نص الوثيقة:

"نحن فاروق الأول ملك مصر، تقديرا منا لمصالح بلدنا فإننا هنا نتنازل عن العرش ونتخلى عن أي حق فيه لأنفسنا ولذريتنا، ونتنازل عن كل الحقوق والامتيازات والصلاحيات التي كانت عندنا بحكم الجلوس على العرش، ونحن هنا أيضا نحل رعايانا من يمين الولاء لشخصنا".

وبعد تردد وتفكير وتدخل من "أحمد حسنين"، قال "فاروق" للسفير البريطاني إنه سيستدعي "النحاس" على الفور، حتى أنه عرض على السفير أن يستدعي "النحاس" ويكلفه بتشكيل الحكومة في وجوده، وذلك بحسب ما روى السفير.

وأخبر الأخير "فاروق" إنه على استعداد لمنحه فرصة أخيرة لأنه يريد أن يجنب بلاده تعقيدات قد لا تكون سهلة في مثل هذه الظروف، فأجابه الملك منفعلا بأنه يدرك أن مصلحة بلاده ومحافظته على شرفه تقتضي استدعاء "النحاس".

ورأى "فاروق" في حكومة "النحاس" تحديا سافرا لسلطته، ولم يسترح حتى طرد تلك الحكومة في 8 أكتوبر عام 1944، ولم يعترض الإنجليز على عزل وزارة "النحاس" آنذاك كون الغرض منها كان قد استنفذ ولم يعد هناك حاجة إليها.

والجدير بالذكر أن ذلك الحادث أغضب عددا من ضباط الجيش، ودفع ضابط برتبة صاغ "رائد" إلى حد تقديم استقالته احتجاجا وغضبا، لكن المسئولين في قصر عابدين رفضوا قبول استقالته وشكروه على مشاعره، وكان ذلك الضابط هو "محمد نجيب"، الذي أصبح فيما بعد قائدا لثورة 1952 التي قدمت فاروق وثيقة تنازله الثانية، لكنه هذه المرة وقعها وغادر البلاد.