الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

التثبيت بعد التعويم.. أمر وارد


حاليًا أكتر كلمتين عاملين قلق للاقتصاد المصري هما "التعويم ولا التثبيت"، وهما مرتبطان بسعر الصرف.

فسعر الصرف هو تقييم العملة المحلية بالنسبة إلى العملة الأجنبية، وتظهر قيمة سعر الصرف في حالة التجارة أو الاستثمار، وذلك حتى يتم تحديد قيمة السلع والخدمات التي يتم تبادلها، وهناك نظامان أساسيان لتحديد سعر الصرف.

النظام الأول لسعر الصرف هو تثبيت السعر، بمعنى إعلان البنك المركزي عن سعر صرف ثابت للعملة المحلية مقابل العملات الأجنبية بحيث لا يتغير في الأجل القصير، وقد يكون هذا السعر ثابتا تمامًا أو قد يتغير في حدود صغيره بنسبة ضئيلة تحددها السلطات النقدية وفقًا للعرض والطلب.

أما النظام الثاني فهو تعويم سعر الصرف أي السوق الحرة، وهو ما يتم تطبيقه في مصر حاليًا، وطبقًا لهذا النظام فإنه يسمح لسعر الصرف بالتذبذب صعودًا وهبوطًا دون وضع حدود معينة، وذلك طبقًا لعوامل العرض والطلب على العملات الأجنبية.

ومن مزايا تعويم سعر الصرف وقف المضاربة خارج السعر الرسمي، كما أن عرض وطلب العملة المحلية أمام الأجنبية سيتوازن في السوق دون تدخل من الحكومة أو البنك المركزي.

ويحقق هذا النظام في الأجل المتوسط أو الطويل الوصول إلى سعر حقيقي يمثل قوة الجنيه في مواجهة العملات الأجنبية، وينتج عن ذلك انتظام التعامل بالنقد الأجنبي، وبالتالي إعادة الثقة في الاقتصاد القومي سواء الداخلي أو الخارجي، كما يساعد على جذب الاستثمارات الأجنبية نتيجة استقرار سعر الصرف.

كما يتم السماح للبنوك والبنك المركزي التعامل بالنقد الأجنبي كقناة شرعية على أساس أسعار مرنة تعكس حقائق السوق.

أما إذا تحدثنا عن عيوب تعويم سعر الصرف، فحدث بلا حرج؛ خاصةً في الأجل القصير، فلن يساعد تعويم سعر الصرف في مصر على القضاء على انخفاض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار، نظرًا لخلل الهيكل الإنتاجي في الاقتصاد القومي المصري والمتمثل في انخفاض الإنتاجية في كل من القطاعين الزراعي والصناعي، لذا فهناك استيراد بنسب كبيرة للسلع الاستهلاكية الضرورية، وبالتالي يزداد الطلب على النقد الأجنبي، بالإضافة إلى الاعتماد على استيراد المواد الخام والسلع الرأسمالية اللازمة للإنتاج المحلي، وهو الأمر الذي يرفع من أسعار السلع محلية الصنع، ويجعلها غير قادرة على المنافسة.

وهو ما يؤدي إلى ارتفاع العجز في الميزان التجاري نظرًا لتزايد قيمة الواردات مقارنةً بالصادرات بصورة ملحوظة، وهو ما ينعكس على وجود عجز صافي في الموازنة العامة للدولة والذي يمول من خلال الاقتراض من الجهاز المصرفي، واستمراره يؤدي إلى زيادة الدين العام الداخلي وما يترتب عليه من إنفاق حكومي لمواجهة خدمة الدين، وبالتالي تزيد الضغوط التضخمية والذي يؤدي إلى انخفاض قيمة الجنيه. ومع انخفاض قيمة الجنيه، وارتفاع قيمة العملات الأجنبية تزداد أعباء خدمة الديون الخارجية.

وفي تلك المرحلة قد يتدخل البنك المركزي فترة قد تصل سنوات لبيع النقد الأجنبي، وهو ما يؤدي إلى استنزاف احتياطي النقد الأجنبي من العملات الأجنبية، أخذًا في الاعتبار أنه لن يتحقق الاستقرار في أسعار الصرف، حتى يحدث تغير فعلي في الهيكل الاقتصادي الإنتاجي بصفةٍ خاصة.

ويتطلب تحقيق نجاح السوق الحرة لسعر الصرف تطبيق سياسة التقشف لتخفيض الطلب على العملات الأجنبية، ومنها تطبيق رسوم جمركية مرتفعة على الواردات، إلا أن الواقع العملي لا يتيح ذلك، حيث وقعت مصر العديد من الاتفاقات التي تهدف إلى تخفيض الجمارك والرسوم.

ويتطلب أيضًا زيادة موارد النقد الأجنبي مثل تحويلات العاملين في الخارج وهو ما لا يمكن التنبؤ به، يبقى لدينا تعظيم فرص التصدير للمنتجات السلعية غير البترولية والعمل على تعظيم العائد من السياحة القادمة إلى مصر.

ويبقى أن نشير إلى أنه كي تنجح سياسة تعويم سعر الصرف فإنها تحتاج إلى كفاءة تامة في الأسواق، وهو غير متوفر، كما أن اتباع نظام تعويم سعر الصرف لا يعني أن يترك سعر الصرف دون أي تدخل من الحكومة، لذا أتوقع أن يكون هناك تدخل في القريب العاجل يتمثل في تثبيت سعر الصرف، وذلك للسيطرة على الأوضاع في حالة -لا قدر الله- تفاقم الأمور؛ قبل الغرق.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط