الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

لصوص العمل العام


ما إن يتم إنشاء مدرسة أو رصف طريق جديد أو وحدة صحية ريفية , أو مستشفى أو غيرها من الخدمات الحكومية التقليدية السنوية والمدرجة فى خطط أى حكومة فى مصر , حتى يتبارى عدد من الاشخاص فى الاعلان عن ان ما تم ما هو الا استجابة لطلبهم ونتيجة لجهودهم الجبارة , وانهم اصحاب الفضل فيها, ويتسابقون على الاعلان عن ذلك سواء عبر وسائل التواصل الاجتماعى أو عبر المقاهى والجلسات الخاصة والعامة .

ونظرًا لكثرة أدعياء العمل العام , فقد صار البعض يتسابق لمعرفة أخبار أى مشروعات جديدة تمت الموافقة عليها أو تم الشروع فى تنفيذها , كى يكون له السبق فى الادعاء , فمن يعلم بالخبر أولًا هو من يدعى أنه صاحب الفضل فيه , ولم يتركوا شيئا حتى نسبوه لأنفسهم , حتى وصل الحال الى ادعاء الفضل فى إقامة مطب صناعى أو إزالته من أى شارع من شوارع مصر .

فهم ينسبون الفضل لأنفسهم فى أى شيء تقوم به الحكومة , سواء كان ذلك بغرض كسب أصوات الناس اذا ما ترشحوا لأى انتخابات فى المستقبل , أو من قبيل ادعاء الوجاهة الاجتماعية وإظهار قدرتهم على الوصول الى متخذى القرار فى مصر , فهم محترفون فى سرقة مجهود أى مسئول صغيرا كان أو كبيرا , وبخاصة فى ظل عدم وجود رقابة على هذه الادعاءات .

وقد تطور الامر من سرقة مجهود الحكومات , والادعاء بأنه لولاهم ما قامت الحكومة بعمل شيء, الى سرقة مجهود الهيئات والافراد المخلصين فى مصرنا المبتلاه ببعض ابنائها , فتجد الواحد منهم أو الواحدة منهن , يذهب أو تذهب لحضور مؤتمر أو ندوة , فاذا ما نجحت فى تقديم شيء مفيد للوطن , تجدهم يرسلون التصريحات الى وسائل الاعلام عن دورهم فى انعقاد المؤتمر أو الندوة , وقد يصل الحال ببعضهم الى الادعاء أنهم هم من نظموا هذا الحدث منذ بدايته , استجابة لتوجيهات القيادة السياسية , أملًا فى خداع السادة المسئولين فى مصر .

وهؤلاء اللصوص يشكلون خطرًا شديدًا على تماسك المجتمع وثقته فى الدولة , لأنهم يقدمون صورة سيئة عن العمل العام من ناحية , ويسرقون مجهود غيرهم من ناحية أخرى , وهو شيء يثير الاحباط لدى بعض المشتغلين فى العمل العام , فكلنا بشر , وكل من يعمل فى العمل العام هو فى النهاية انسان له حقوق , وابسط حقوقه هو الا يسرق مجهوده أحد , فإن كان معظم المخلصين لا ينتظرون كلمة شكر من أحد , فهم أيضًا لا ينتظرون ان يسرق مجهودهم أحد , أو يساهمون بعملهم فى رفع شأن مُخادع أو وضعه فى مكانة لا يستحقها .

لأن سارقى العمل العام يخدعون أصحاب القرار بادعاء ما لم يفعلوا , وبخاصة فى ظل زيادة الاعباء على الجميع, ومن هنا قد تفاجأ بدعوة مجموعة من لصوص العمل العام الى لقاء مباشر مع أعلى قيادة للحديث عن ما لم يفعلوا وما لا يعرفون, وذلك نتيجة اعتماد البعض على التقارير الاعلامية , وان كانت الاجهزة السيادية تختار وتراقب الاختيارات , الا أنها فى النهاية لن تستطيع ان تضع مائة مليون مواطن على جهاز كشف الكذب , لتعرف الصادق من الكاذب .

أعلم ان هذا الموضوع هو ميراث قديم انتقلت الينا عدواة من بعض مجتمعات الموظفين , حيث يسرق المدير مجهود مرؤوسيه وينسبه لنفسه , وهو بكل تأكيد يشكل ضررًا على أى شركة أو مؤسسة أو هيئة , لكنه بكل تأكيد لن يصل الى ضرر سرقة العمل العام فى بلد بحاجة الى تشجيع كل المخلصين فيها , لا إحباطهم بسرقة مجهوداتهم , سواء كان مجهود وزير أو محافظ أو مسئول أو مجهود مواطن مصرى بسيط محب لبلده ويعمل على رفعتها .

وسرقة العمل العام اشد خطرًا على الدولة من سرقة المال العام , وان كان كلاهما لصا, فمن يسرق مالا عاما ضرره محدود بما سرق من مال , وبما كان سيفعله هذا المال فى مكان وزمان محددين , وفى نطاق الهيئة أو الشركة التى وقعت فيها حادثة السرقة , ومن اليسير اكتشافه وعقابه , أما من يسرق عملا عاما فضرره أوسع وأشمل , وفساده أكثر ضررًا على المجتمع بأسره , لأنه كلما زاد من سرقة العمل العام كلما ارتفع شأنه عند الجهلاء بحقيقته , وما أكثر الجهلاء فى هذه الايام .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط