هالة برعي تكتب: البحث العلمي

في عصر الفيمتو ثانية حيث
تتضاعف المعرفة الإنسانية كل ثمانية عشر شهرا نتيجة للتطور المذهل في الثورة
المعلوماتية الجديدة مازالت مصر بعيده تماما عن اللحاق بعصر العلم حيث لا يوجد لنا
تصنيف على خارطة الدول المتقدمة علميا فجامعاتنا للأسف خارج التصنيف العالمي
للجامعات هذا على الرغم من وجود الكثير من العلماء
المصريين في مختلف التخصصات في معظم المراكز العلمية المتقدمة في الولايات المتحدة
وأوروبا .
بالتأكيد هناك أسباب
عديدة أدت إلى خروجنا من الحسابات العلمية في ذلك العصر الذي
يحدثنا عنه دائما د. أحمد زويل
بداية تتلخص إشكالية البحث
العلمي فى عدم وجود إستراتيجية
واضحة للبحث العلمي كما أنه ليس لدينا ما يسمى بصناعة المعلومات، ولا صناديق
متخصصة بتمويل الأبحاث أيضا لا يوجد مراكز للتنسيق بين
المؤسسات والمراكز البحثية .
والأخطر الذي كشف
عنه الواقع العلمي المتدني أنه لا توجد لدينا حرية أكاديمية
كافية كتلك التي يتمتع به البحث العلمي عند الغرب.
ومن ثم فعلينا أن
نضع أيدينا على بواطن الخلل في
المشهد العلمي ونكتفي هنا بإلقاء الضوء
على تراجع قيمة البحث العلمي وغياب الرؤية السياسية للدور العلمي في نهضة الأمة .
وبمقارنة غير
متكافئة الأطراف بين نصيب البحث العلمي في الموازنة المصرية سنجد أنه لا يكاد يذكر
إذا ما قورن بمثيله فى إسرائيل والنتيجة المتوقعة مسبقا أن إسرائيل لديها عشرة علماء
فازوا بجائزة نوبل في العلوم مقابل عالم مصري واحد هو د.أحمد زويل .
حقيقة قد تكون مخجلة
بالطبع لكن من الضروري أن نتضافر جميعا من أجل إقامة نظام علمي مصري أكثر
تطورا حيث أن تراجع البحث العلمي المصري هو جزء من
أزمة مشروع النهضة السياسي والاقتصادي .
ولتكن نقطة البداية في بناء نظام علمي مصري
متكامل هي الاهتمام بالتعليم الذي يعتبر أهم نقطة للنهوض بالبحث
العلمي فهو حجر الأساس في دعم علماء المستقل, وبالتالي علينا القيام بثورة في مجال
التعليم المتحضر الذي ينحي التلقين جانبا ويفسح المجال أمام الابتكار والتجديد.
علينا أيضا أن نعيد النظر
في المناهج وطرق إعداد المعلمين في إطار تطوير المنظومة التعليمية برمتها ,علينا
إيجاد وسائل مقنعة تحول دون
عزوف بعض الطلاب عن التعليم الصناعي في المرحلة الثانوية، والعمل على تغيير رؤية
المجتمع للتعليم المهني الذي يتعامل معه البعض على أساس أنه يأتي في المرتبة
الثانية بعد التعليم الجامعي .
كما أنه ينبغي
علينا جميعا العمل على توفير مناخ مناسب
لعودة طيورنا المهاجرة والاستفادة من خبراتها في دفع عجلة البحث العلمي
أيضا يتحتم علينا إعادة
النظر في توجيه الاستثمارات الحكومية في مجال الموارد البشرية وإعطاء مساحة كبيرة
من الاهتمام للبحث العلمي من خلال زيادة البعثات إلى الخارج .
على الجانب الآخر من
بناء النظام العلمي ينبغي معالجة أزمة
البحث العلمي التي تتصل بغياب صناعة المعلومات وهذا ربما يؤثر بقوة في توقف تدفق المعلومات .
والواقع أننا نواجه
عدة مشاكل في مجال البحث العلمي وتطبيقاته قي مجال الصناعة منها القدرة على
الإبداع والابتكار والتطوير كذلك الاعتماد الكلى على التكنولوجيا
الأجنبية في كل شيء بدلا من تطوير إمكانياتنا العلمية (فنحن نستورد فانوس رمضان من
الصين ونأتى بالسلاح من
أمريكا.
وتبقى الحرية
الأكاديمية للباحث هي النقطة الأهم من
حيث تأثيرها على مستقبل البحث العلمي داخل الجامعة ومراكز الأبحاث فلابد أن
نعيد النظر في تأثير غياب مناخ الحرية على الإبداع والبحث العلمي ومناقشة القيود
الأخرى التي تحد من توفير بيئة مناسبة للبحث العلمي
فقد كشف تقرير عن
التنمية البشرية عن أن الكثير من الطلاب المصريين بالخارج
لا يعودون بسبب تراجع الاهتمام بالمعرفة وكذلك لغياب مناخ الحرية وعدم توفير
الإمكانيات المادية للبحث العلمي وما ينتج عن ذلك من خسائر مادية ناتجة عن
هجرة هذه النخبة كنتيجة مباشرة لغياب إستراتيجية مدروسة لتوظيف تلك الكفاءات
العلمية المتخرجة من الجامعات والاستفادة منها في الدفع بعملية التنمية والتطوير
ومن ثم الرحيل وبلا عودة.