الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

خدعة ( صُنع فى مصر )


هذا الاسبوع خضعت لضغوط زوجتى وأولادى وقررت التخلى عن البوتاجاز العتيق الذى أشتريناه منذ سنوات طويلة وذهبنا لشراء بوتاجاز جديد , وكمعظم المصريين دخلنا أكثر من مكان لمقارنة الأسعار , وكانت المفاجأة , كل الاسعار تضاعفت منذ تحرير سعر الدولار , المنتج مكتوب عليه (صُنع فى مصر ) , أما السعر فهو كسعر أى سلعة مستوردة , يزيد مع أى زيادة فى الدولار وكأن السعر مكتوب بالدولار وما يظهر لك هو ترجمة بالجنيه .

وذلك ان دل على شئ فهو يدل على أننا نستورد كل مكونات هذه الاجهزة التى تحمل شعار (صنع فى مصر ) فيزيد سعرها مع زيادة سعر الدولار , فنحن نجمعها فقط لا غير , ونخدع أنفسنا فقط لا غير , ونعيش فى وهم كبير اسمه ( صنع فى مصر ) , ولذا مع كل زيادة فى سعر صرف الدولار أمام الجنيه يزيد سعر الاجهزة والسلع المجمعة فى مصر , فكل شئ فيها مستورد حتى عبارة (صنع فى مصر) هى أيضًا مستوردة , وقد رأيت ذلك بنفسى فى أحد مصانع اللمبات الموفرة للطاقة , كل شئ مستورد حتى العبوة الكرتون التى يتم وضع اللمبة فيها والتى تحمل شعار (صنع فى مصر) ايضًا مستوردة.

قس على ذلك العديد من المنتجات الالكترونية ذات التقنية العالية والمتوسطة والاجهزة الكهربائية والسيارات والمركبات سواء الشعبية منها كالتوك توك او الارستقراطية كالمرسيدس أو البى إم دبليو وغيرهما , كل شئ يتم استيراده فى كراتين مغلقة , ويتم التجميع فى مصانع مصرية , وبدلًا من ان يدفع المستورد جمارك تزيد عن 25 % من قيمة السلعة , يستوردها مفككة كقطع غيار ومستلزمات أنتاج ويدفع 5 % فقط لا غير ثم يجمعها فى مصر , يربح المُصدر ويربح المستورد وتخسر خزانة مصر .

بكل تأكيد لدينا صناعة وطنية فى العديد من القطاعات , كالملابس والسيراميك والسجاد والادوية وغيرها من المنتجات التى نستورد خاماتها من الخارج , ثم نقوم بتصنيعها وأعادة تصديرها أو بيعها فى السوق المحلى , ولكننا نخدع أنفسنا بالادعاء بأننا نصنع كل شئ , أو نرسم خطط وهمية لتصنيع كل أحتياجاتنا فى مصر , وهو شئ غير موجود فى أى دولة فى العالم , فلا توجد دولة تستطيع تصنيع كل شئ , فحتى الصين التى غزت كل العالم بمنتجاتها تستورد العديد من المنتجات المصنعة خارجها .

ولذا علينا إعادة ترتيب أولوياتنا الصناعية , وعمل حصر شامل للمنتجات التى لدينا فيها ميزة تنافسية وقدرة على تصنيعها وننميها ونساعدها ونفتح لها اسواق خارجية ونوفر لها حماية داخلية , والمنتجات التى نُصنع جزء منها , نضع خطط حقيقية لزيادة المكون المحلى فيها ولكن بعيدًا عن الشعارات الفارغة والبرامج النظرية التى كلفتنا مئات الملايين من الجنيهات دون جدوى , نتعاون مع دول أخرى سواء فى أفريقيا أو فى أوربا أو فى أى مكان فى العالم من أجل المشاركة فى تصنيع المنتجات التى لا نستطيع تصنيعها بالكامل فى مصر.

فعلى سبيل المثال بدلًا من تجميع مكونات تليفون محمول مستوردة بالكامل , ليتم بيعه فى سوق المائة مليون مصرى كمنتج مصرى ونوفر للمُصدر الاجنبى الجمارك التى كان سيدفعها لو صدره لنا كمنتج نهائى , نُصنع ولو 10 % من مكونات هذا التليفون المحمول ونشارك فى أرباح بيعه فى العالم كله , ونضيف لمصر عملة صعبة ونضيف للناتج الصناعى المصرى قيمة حقيقية من منتج حقيقى , ومع الوقت تزداد نسبة المكون المحلى وتزداد نسبة أرباحنا مع الوقت .

هذا ما تفعله الدول الصناعية الكبرى , فطائرة الايرباص يتم تصنيعها فى عدة دول أوربية , وحتى السيارات الاوربية الشهيرة يتم تصنيعها فى عدة دول أوربية معًا , وأخشى ان تتكرر مع الرئيس السيسى تجربة خداع الرئيس مبارك عندما كان يتم حصر مزارع الماشية على أنها مصانع أنتاج ألبان , وحصر الصيدليات على أنها مصانع أدوية , وحصر مزارع انتاج البيض على أنها مصانع أنتاج معدات تفريخ , وكان الرجل يزهو بالصناعة المصرية وعدد المصانع الجديدة فى عهده وهو لا يعرف انه يتعرض لعملية خداع ممنهجة .

وهنا يأتى دور الاجهزة الرقابية والسيادية فى مصر , التى بات عليها مراجعة جميع التصريحات والبرامج والاعلانات والشعارات المتعلقة بالقطاع الصناعى فى مصر , بل عليها مراجعة دور العديد من الاسماء والمسميات التى ورثها الرئيس السيسى من عهد الرئيس مبارك , وأخشى ان تكون سببًا فى تضليله كما ضللت من سبقوه من الرؤساء سواء عن عمد أو عن جهل عميق.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط