قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

محمود طرشوبى يكتب: نزيف كلماتي في رحيل أمي


لقد توقف هذا القلم كثيرا عن الكتابة، كيف يكتب القلم والقلب ينزف، لا أعلم هل أمي هي من فارقت الحياة، أم أن الحياة بأكملها فارقتني منذ أن رحلت أمي.

لم أكن أتخيل أن أكون أنني سأكون وحيدا في هذا العالم، فالأم هي أول وآخر ما يتبقى لك في هذا العالم.

أكتب واعرفوا أن الكثير يشاركني في أحزاني لنفسه وعلى نفسه، وعلى أم رحلت وهي التي اعطتنا الحياة.

كانت لحظة فاصلة بين أن تحيا ابنا لأم تعطي بلا توقف، تتحرك بداخلك كأنك تستمد منها الحياة تشعر بنبض قلبك تسألك عن ما تعرفه هي بقلبها، كأنك روحك معلق بوجودها وبين أن تحيا بدون كل هذا.

تمر اللحظة والساعة واليوم بلا بشر بلا حياة في غيابك يا أمي يصبح كل شيء كأنه العدم، منذ رحيلك يا أمي وأنا أتساءل في كل يوم كم من العمر يعيش الإنسان بلا أم.

أتأمل في وجوه العابرين، أصعد إلى جبل الذكريات، وأعناق أحلام المساء، أتلمس قلبي المصاب بداء الفراق، وأطلق دمعة في الهواء وسؤالا من داخل الآلم لماذا ترحل الأمهات عن الحياة.

عندما رحلت لماذا انطفأ كل بريق الضحكة التي تملأ العيون، لماذا ذبلت الوردة التي كانت مصدر الفرحة، في طريقى كل يوم النيل يسألني في خجل عن تلك الابتسامة التي رحلت ومعها رحل الخير.

في بيت أمي كل ركن يسألني عنك، حتى العابرين في الطريق ينظرون إليَّ بشفقة ويستحضرون قلبا كان يحيا هنا هو كل حياة هذا المكان.

لم تع ذاكرتي أن أرى في الطبق والملعقة وأكواب الشاي رائحة أمي ولو نطقت لسألتني عليها.

رحلت في هدوء تام وسط ضجيج داخلي ينزع عني كل أمل في الغد، رحلت كالنسمة كما كانت تعيش بيننا.

أنظر إلى قبر أمي، وأسأله هل يعرف القبر من فيه، أو هي تشعر بي وأنا خارج القبر.

أنظر إلى قبرها وأبلغها؛ لقد رحل الجميع برحيلك، والبيت العامر أصبح خرابا، والغرف المضاءة بنور وجهك خيم الظلام عليها.

جدار البيت ينظر إليَّ بأسي هل يواسيني، أم يشعر بالحنين إليها!

أمي، ذهب الجميع وبقيت أنتِ في قلبي.

إخوتي لم يعودوا كما كانوا، رقص الجميع وتعالت أصوات أفراحهم بعد أيام من رحيلك بأولادهم، هؤلاء الذين أفنيتِ عمرك فيهم.

هل ضاع عمرك هباءً أم أن هذا الزمان لا يعرف الوفاء، والأحفاد نسوا اليوم من كانت بالأمس تجمعهم.

بعدك يا امي تاهت الأرحام في ازدحام الحياة، وسأل الجميع عن ما ورثه، واحتفظت أنا بميراثي منك وهي صورة تطل منها ابتسامة صنعت حياتي عبر أكثر من أربعين عاما.

يكفيني منك يا أمي قلبي دافئ عشت به سنينا وسأعيش عليه سنينا.

رساله إلى كل أم وأب، احفروا وجودكم فى قلوب أبنائكم كما فعلت أمي، فبقيت أمي في أعماق قلبي ونبش قلبه من شاركني الرحم فيها وأقام عرس أولاده، ونسي من رحلت من أيام.

لم أكن أتخيل أن يزيح الموت ستائر الغفلة والخداع بهذا الشكل، ومن ساعة الرحيل وفي كل يوم تقع صورة كانت بالأمس براقة، كان السقوط مدويا.

يرتجف القلم من قسوة البشر وأن هذا الإنسان كيف يمتلك قلوبا بكل هذا الجفاء والغلظة.

أمي آخر قلب أحببته وآخر قلب أحبني، سلام الله عليك في كل وقت وفي كل مكان، في السماء والأرض.