الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

لماذا تجمدت مشاعرنا؟


تهل علينا أيام مباركة فيها نفحات كريمة من رب العالمين، تُفتح فيها أبواب السماء لكل داع، ممن يذهبون للحج أو ممن يبقون في ديارهم قيد الرجاء حتى تحن لهم فرصة إتمام الركن الخامس من أركان الإسلام. يعود الحجيج إلى ديارهم كيوم ولدتهم أمهاتهم، بعد أن ذاقوا حلاوة الإيمان، واستعذبوا الدعاء، وأصبحوا على قناعة تامة بأنهم تطهروا تمامًا من الذنوب والآثام، وامتلأت قلوبهم بفيض من نور الرحمن، يضيء لهم مشكاوات الأمل، بعد أن كاد ضؤها يخبو ويندثر خير العمل.

في هذه الأيام المباركة، ومنذ خمسة عقود، كانت فرحتنا بالعيد ونحن أطفالًا لا تقل عن فرحة أبائنا وأمهاتنا. وكان كل عين من الأعيان يشتري أضحية أو أكثر في بيته، وعقب صلاة العيد يبدأ ذبح الأضحيات، ليمضي اليوم الأول من عيد الأضحي كما نألفه اليوم.
بيد أن ما استجد علينا جعلني أتحسر على ما أصبحنا عليه عشية المواسم والأعياد، لاسيما وأن أفراد العائلة أو أفراد الجنس -كما كانوا يسمونهم في قريتنا- كانوا يسهرون طيلة الليل ببيت العائلة، مكبرين مهللين إلى أن يحن وقت صلاة الفجر ثم صلاة العيد.
وكان يجلس عند كل بيت من بيوت الأعيان الكثير ممن ضاقت بهم السبل في انتظار الجُودة؛ ومن يغب منهم كنا مكلفين بتوصيل نصيبه من الأضحية حتى بيته، لتقابلنا ابتسامته فتخفف عنا عناء السير طيلة اليوم في حواري القرية وأزقتها. ونظل في هذه المهمة حتى ظهر اليوم الأول من العيد. أما كبار العائلة فكانت مهمتهم تبادل الزيارات والعبارات، وتوزيع العيديات على كافة الأبناء والبنات.
بعد الظهيرة نبدأ، نحن الصغار وقد أنهينا مهمتنا بنجاح، في الذهاب إلى عماتنا وخالاتنا وجيراننا لتقديم المعايدات والتبريكات، ومن يُضبط وقتئذ متقاعسًا عن صلة الأرحام، كان عليه أن يتحمل نتائج سوء التدبير والأفعال، وهي التوبيخ والحرمان من العيدية. تعودنا منذاك أن صلة الرحم شيء مقدس، وعشنا عقودًا على هذه القيم السامية التي كانت يومًا تميز أعيادنا وبلادنا...إلى أن وقعت الواقعة!!

وَصَلَنا في مستهل التسعينات من القرن الماضي إختراع اسمه "الانترنت"، صرنا نرسل من خلاله تهاني إليكترونية لمن وصلهم نفس الإختراع-وهم قلة آنذاك- ومع هذا استمر وصل الأرحام هو أساس المواسم والأعياد، ومن لم يستطع كان عليه أن يُمسك بهاتفه الأرضي ويهنيء من يشاء من الأهل والأحباب.

ثم ظهر اختراع آخر اسمه "التليفون المحمول"، فيسر علينا حركة التواصل عبر الهاتف أينما كنا بدلًا من تليفون البيت، وظلت صلات الأرحام قائمة أيضًا دون أدنى إصابات أو ضربات تفكك أواصرها.

غير أن الثورة الرقمية فرضت نفسها، وبسرعة البرق، لنجد أنفسنا أمام "تطبيقات إليكترونية" معقدة تغنيك عن التلغراف، وعن السفر والترحال، وعن مكالمة الجوال، وعن الزيارة وحسن الأفعال، التي كنا نقوم بها صبيحة كل عيد من الأعياد.... وأصبحنا نقضي ليلة العيد وحتى فجر اليوم الأول في إرسال رسائل التهنئة الصماء إلى ذوينا، والبعض منا يتفنن في تصميم رسائل صوتية أو حركية، والبعض الآخر يستلب تصميمات مجهولة الأنساب، ويقوم الكل بتطبيق حركة واحدة اسمها "إرسال للكل" ليعود بعدها الزبون إلى المزرعة الصينية ليصارع الحوت الأزرق، وربما أذَّن الفجر عليه وهو غير مبالٍ، وقد أقنع نفسه أنه قد أدى واجبه وعَيَّد على كل أقاربه وأخواته وأصدقائه برسالة جماعية؛ وربما عاد من صلاة العيد ليؤانس مضجعه، والشاطر من يدخل عليه الغرفه ليوقظه بحجة العيد....خسرنا كثيرًا من مشاعرنا، تجمدت وتبلدت بفعل ضعفنا وقلة حيلتنا أمام التكنولوجيا والثورة الرقمية، وعجزنا أمام الإدمان الإليكتروني الذي أصاب حشاشة الفؤاد بجرح غائر، فتحولت مشاعرنا بسببه إلى خلايا إليكترونية لا شكل لها ولا لون، خالية من زخات المُحبين؛ ونظل نجلس بدورنا ساعات طوال كأصنام قريش نرد عليهم بنفس الداء الذي أصابنا في مقتل. ويبقى سؤالي الحزين، كلما طالعت الآخرين: أين ذهبت مشاعرنا؟ كيف نرد الحياة إلى قلوبنا المذبوحة كالدجاج؟

ما الحل؟
الحل أن أحبك في الله، فالله محبة؛ فإذا أحببتك أو أحببتني في الله تعلق فؤادك بمن أحببت، ولن تطق على بعده صبرًا، ووقتها ستوصل الأرحام، وتقر عيون الآنام، بالحب والوفاء لا بالهجر والجفاء؛ أما إذا أعرضت وتوليت فلا تلومن إلا نفسك إذا ما وجدت ينبوع الفؤاد وقد جف في غفلة من الزمان، ويأتي إليك زوجك في يوم من أيام الجفاف لتقل لك "أنت رجل مشاعرك باردة"...وعيدكم سعيد
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط