الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

لا تحزن


تفكرت كثيرًا في قول المولي عز وجل لا تحزن، عجيب جدًا هذا الأمر الإلهي الذي جاء في كتابه الكريم في مواقف متعددة، وتساءلت ، كيف يستطيع الإنسان تطبيقه، في ظل مرار الابتلاءات المتتالية التي تقع علي البشر، لا تحزن أمر في منتهي الصعوبة المثول له ، ولكنه في نفس الوقت مفتاح الفرج ، وذهاب البلاء .

"إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)"، تأمل تلك الآية، أمرُ بالغ الصعوبة والخطورة ، مطاردةُ من الكفار لرسول الله محمد وصاحبه أبو بكر ، الموقف شديد الوطأة ، لا يمكن تحمله إلا إذا كنت تمتلك قلبا منسوجا من اليقين، ولكن تأمل بمنتهي الدقة ماذا حدث بعد قوله لا تحزن، نزلت السكينة علي محمد وصاحبه و أيده الله بجنود غير مرئيّة وحفظ محمد وصاحبه ونصرهما، ورد كيد الكافرين إلي نحورهم .

فقط تحمل الشدة والبلاء بلا حزن ذلك هو السر ، أن تنظر للبلاء علي أنه اختبار راحل لن يدوم، تنتصر فيه إذا تمتعت بقلب قوي وحسن ظن بالله تعالي ، والبعد عن الحزن الذي يُذهب العقل، ويفتح أبواب الشيطان.

"وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ "، موقف إيماني مختلف موجه هذه المرة إلي المرأة، في موقف لا يمكن استيعابه، كيف تستطيع امرأة أن تلقي برضيعها في اليم ، بيديها، دون أن تخاف أو تحزن، تأمل هذا الأمر الصعب ألقيه في اليم ، لا تخافي ، ولا تحزني، وتأتي الرحمة حينئذ حين يخرج الحزن من القلب وتغلق باب الشيطان وتفتح فقط أبواب اليقين والثقة المطلقة في المولي عز وجل رغم أنها كانت تعلم أن رضيعها سوف يذهب إلي بيت عدوه وعدو الله، إلا أنها لم تحزن ولَم تخف بل ربطت علي قلبها وسلمت أمرها للخالق دون نقاش ودون تردد ، فعاد إليها رضيعها وأصبح من المرسلين.

"أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"، هنا يكمن السر ، من لا يحزن علي البلاء فهو ولي من الأولياء ، فقد وصف المولي عز وجل أولياءه أنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، والولي هو من يتولي الله عز وجل أمره ، فيحفظه وينصره وينير قلبه بنور الإيمان، فتُغلق أبواب الحزن وتُغلق معها أبواب الشيطان ، فالحزن يُميت القلب النابض، ويقتل الحياة والأمل، ويُذهب الفرح والثقة بالله، وإذا تأملنا حال نبي الله يعقوب عندما حزن علي فراق ولده يوسف ، فقد بصره، وابيضت عيناه، أمات الحزن بصره، وظل يترجي المولي عز وجل أن يعيد إليه ولده، هل حقًا حزن علي ضياع يوسف، أم كان الحزن لفعلة إخوته به، فالأمر مؤلم ، كلهم أولاده ولكن الشيطان تسلط عليهم ليتخلصوا من يوسف ظنًا منهم أنهم سوف يفوزوا بحب أبيهم لهم، فما كان من أبيهم إلا أنه حزن ، ولَم يعد يستطيع التحمل حتي أعاد الله له ولده ونصره وتصالح الإخوة واستقامت الحياة.

كل منا يختار طريقه، إما الصبر علي البلاء والحزن ، فتفتح أبواب المرض والشيطان وتمر عليك الأيام وكأنها سنوات طويلة حتي يرفع الله عنك البلاء ، وإما أن تصبر علي البلاء بلا حزن وبثقة بأن الله عز وجل سوف يرفع عنك هذا البلاء ويبدلك النصر والطمأنينة ، إذا تأملت في موقف أم موسى أو رسول الله محمد وصاحبه تجد أن عدم الحزن أذهب البلاء سريعًا ، ونصرهم الله نصرًا عظيمًا وأرضاهم ، أما يعقوب عليه السلام فقد حزن رغم يقينه وثقته بالله فأصابه العمي ، وطال صبره سنوات طويلة حتي رفع الله عنه البلاء وأعاد إليه يوسف وأخاه .

كل ما عليك فعله أن تولي الله عز وجل أمرك، وأن تتحمل الشدة دون حزن أو خوف، وتنتظر الفرج القريب والنصر الأكيد، ارحموا أرواحكم في زمن اشتد فيه البلاء، وارفعوا عنكم الأحزان لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا ويُذهب الحزن وينشر الطمأنينة بين العباد.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط