الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

تقويمان وشعب واحد


تهل علينا بعد أيام قليلة سنة هجرية جديدة للعام 1440، ومعها سنة قبطية جديدة للعام 1735؛ مثلما هل علينا عيد الأضحى المبارك متزامنًا مع عيد السيدة العذراء. ولكل من التاريخين حكاية ومغزى، لأن التاريخين شاهدين على الظلم والإضطهاد الذي واجهه المؤمنون بالله وبرسائل الأنبياء، إضافة إلى الرسل والأنبياء أنفسهم. 

نعم، وبكل فخر، قبض المصريون على دينهم وواجهوا الظلم والاضطهاد بكل أشكاله في القرن الثالث الميلادي حتى يتخلوا عن إيمانهم بالمسيحية التي حمل رسالته إليهم القديس مرقص الرسول أواسط القرن الأول الميلادي. لم تكن رحلة المسيحية في مصر بالهينة اللينة وهي تصارع الفكر الوثني المتغلل في الإمبراطورية الرومانية، ولا مع اليهودية التي تأصلت فيمن سكنوا حيًا كاملًا بالإسكندرية. 

ظلت المسيحية تسير بخطى وئيدة عبر القرون الأولى للميلاد في شتى أرجاء الإمبراطورية، حيث عانى المؤمنون بها آنذاك كثيرًا من اضطهادات الأباطرة لهم. 

غير أن ما أصاب أتباعها في العام 284م كان الأبشع والأكثر قسوة على الإطلاق؛ حيث أصدر الإمبراطور دقلديانوس أربعة مراسيم اضطهاد متتالية ضد المسيحيين قاطبة، وكان الإضطهاد ضد المصريين هو الأعظم والأشد؛ حيث ذاقوا كافة الويلات التي لا يتحملها إنسان على وجه الأرض، وتشردوا من بيوتهم وصودرت أملاكهم وطردوا قسرًا من أراضيهم، وقتلوا تقتيلًا، ومنهم من دفن حيًا أو ألقي به في الجب وغير ذلك من أصناف العذاب...وهنا، وتخليدًا لذكرى الآلام التي شهدها المصريون آنذاك قررت كنيسة الأسكندرية أن يكون العام 284م هو العام الأول في التقويم القبطي، عفوًا المصري.

وبعد هذا التاريخ بأربعة قرون على الأقل، تأتي الرسالة المحمدية بالإسلام لتكون آخر الرسالات السماوية التي تنزل على الأرض. وتروي كتب السيرة النبوية ما لاقاه النبي محمد صلى الله عليه وسلم من ظلم وعناء ومقاومة واضطهاد من مشركي مكة وكفارها، حتى أمره الله أن يُخرج أصحابه مهاجرين إلى الحبشة، أملا في حماية ملك الحبشة، المكنى بالنجاشي، وكان ملكًا مسيحيًا أرثوذكسًيا عادلًا، أفشل على قريش خططها للإيقاع بينه وبين المهاجرين إلى بلاده.

واستمر المشركون في مكة في إضطهاد النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه من المؤمنين به وبرسالة الإسلام، بل حاولوا قتله ذات يوم، ولكن عناية الله أنقذته وأعمتهم عن رؤيته وهو خارج من بيته. وهنا أمره الله بالهجرة إلى يثرب، المدينة المنورة فيما بعد. وكانت الهجرة النبوية من مكة إلى يثرب فتحًا جديدًا في مسيرة الدعوة إلى الإسلام، والمعروفة بإسم المرحلة المدنية، حيث استقبله أهلها بالفرح والترحاب.

وعندما بدأت الدولة الإسلامية في ترسيخ أقدامها بين الأمم في عصر الخلفاء الراشدين، كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه صاحب فكرة أن يكون للمسلمين تقويمًا خاصًا بهم حتى لا يحدث لبسًا في تأريخ الكتب والمراسلات إلى الولاة وتوثيقًا للوقائع والأحداث، كحال أمم ذلك الزمان، حيث كان هناك التقويم الفارسي، والميلادي، والقبطي، والصيني وهكذا. 

واتفق الصحابة آنذاك أن يكون يوم الهجرة النبوية من مكة إلى يثرب هو بداية للتقويم الجديد. ومن هنا خرج التقويم الهجري، الذي يعتمد على استطلاع الهلال كل شهر عربي، وعدد شهوره 12 شهرًا، إستنادًا إلى الآية الكريمة: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ". وقوله تعالى: "يَسْأَلونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ". ومقدار أيام السنة في التقويم الهجري 354.37 يومًا، بفارق 11.2 يومًا بينه وبين التقويم الميلادي.
وأصبح شهر المحرم هو أول شهور السنة الهجرية، رغم أن الهجرة النبوية من مكة إلى يثرب لم تكن في شهر محرم، بل كانت في شهر ربيع الأوّل وبالتحديد 22 ربيع الأول، الموافق24 سبتمبر عام 622م. ومع دخول الإسلام مصر نعم أقباط مصر، مسلمون ومسيحيون ، بتقويمين يجمعان أهلها على حب مصر. فكل عام ومصر بخير.


المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط