الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

العيشة الضنك


في مختلف العصور، رغم ازدهار البلاد في بعض المراحل وسقوطها في براثن الفقر في البعض الآخر، يظل هناك دائمًا الغني والفقير، يظل دائمًا من يحيا حياة الستر والرضا رغم فقره، ومن يحيا حياة الضنك، والحياة بين الغنى والفقر و الستر والضنك ليست فقط مرتبطة بالظروف الاقتصادية للبلاد، إنما ترتبط ارتباطا وثيقا بالعلاقة بالمولى عز وجل.

يقول المولى جل وعلا "وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى"، والضنك ليس فقط الفقر كما يفهمه البعض، إنما الضنك هو الضيق في الرزق بمفهومه الواسع، قد يكون رزقك في المال فيضيق عليك، وقد يكون رزقك في الصحة فتمرض، وقد يكون رزقك في الولد فيأخذه الله منك وتتحول المعيشة إلى معيشة ضنك.

قد يتساءل البعض عن رغد حياة الكثيرين، فنحن نرى من حولنا بعض الناس في حياة نراها من بعيد ونظن أنها مكتملة ولكنها رغم بريقها تكون مليئة بالمآسي، ربما لا يُفصح البعض عما يعاني ويتظاهر بالاستقرار، ولكن في باطن الأمور تجدها حياة صعبة، ربما تكون أصعب من حياة البسطاء التي يملؤها الفقر والحوجة، فلا يغرنك البريق الخداع، لكل منا مآسيه وأوجاعه، وفِي النهاية لا يحيا في استقرار نفسي إلا من تعلق قلبه بالله تعالى فقط.

طوال حياتك تتعرض لكم كبير من الابتلاءات المتتالية، فإذا تعلق قلبك بالخالق العظيم نجوت منها، وإذا ابتعدت عنه تتحول تلك الابتلاءات إلى كوابيس متتالية تظل تطاردك فلا تستطيع أن تحيا، وتكره الحياة وتتمرد وتتحول حياتك إلى البؤس والألم، فاحذر أن تحول حياتك بنفسك إلى الضنك وتلوم بعد ذلك المولى عز وجل.

والغرض هنا من استمرار التواصل والذكر هو المحاولة المستديمة لغلق باب الشيطان، وليس الذكر باللسان، إنما يأتي الذكر بالقلب، كلما زاد يقينك كلما تعلق قلبك بالآخرة وتزداد شوقًا لرؤية الخالق والابتعاد عن أكاذيب الدنيا وضلالها، فالدنيا قائمة على الخداع والألم، تحيا محاولًا أن تبني مستقبلًا سعيدًا، وتحلم أحلاما وردية وتظن أن الحياة مفتوحة أمامك لتحقق أحلامك وتصل إلى غايتك، فإذا بك تصطدم بمعوقات الحياة، فتسود الدنيا في عينيك، وتيأس وتتحطم، وقد يملؤك اليقين فتصبر وتفهم مغزى الحياة فلا تحزن رغم صدمتك، ورغم تحطم أحلامك وتستغني عن حلمك إذا أصبح مستحيلًا وتسعى لتحقيق غيره، وأنت في كامل الرضا بقضاء المولى عز وجل.

للحياة دليل إذا تعلمته ارتاح قلبك وتعودت الصبر وازداد يقينك، مذكور في كتاب المولى عز وجل حيث يقول "مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (22) لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ وَاللهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ"، إذا تأملته تجد أن ما تحيا به من عناء وشدة هو في كتابك من قبل أن تنزل على تلك الأرض وتحيا تجربتك في الحياة الدنيا، فإذا اطمأن قلبك أن تجربتك كُتِبَت كاملة وعُرِضَت عليك ووافقت أن تحياها سوف يرتاح قلبك، فقط تعلم الحكمة واحفظ الدليل، لا تأسى ولا تحزن على ما فاتك ولا تفرح بما آتاك ولا تحول نفسك لشيطان جديد، حتى تنجو وتعود إلى جنتك حيث تنتمي، إلى بيتك الدائم حيث لا عذاب ولا شيطان، ولا ابتلاء.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط