قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

مؤتمر الإفتاء العالمي وحماية كيان الأسرة


لا شك أن من أكبر مقاصد أي أمة من الأمم الحفاظ على كيان الأسرة بوصفها النواة الأولى المكونة لها، واللبنة الأولى في بناء كيان المجتمع والذي تُقاس قوَّته أو ضعفه بقدْر تماسُك الأسرة أو ضعْفها داخل المجتمع. وعلى ذلك فقد اهتمت الشريعة الإسلامية بتوفير كل العوامل والأسباب وتهيئة الأحوال التي تكفل لها الاستقرار وتحميها من المعوقات والمشكلات الحياتية التي تتعرض لها.

وقد وضع المؤتمر العالمي للإفتاء في دورته الحالية هذا المقصد من أهم المحاور التي يناقشها في عامه هذا، وذلك انطلاقا من عنوان انعقاده «التجديد في الفتوى بين النظرية والتطبيق». والذي يعمل من خلاله على الالتحام والتفاعل مع القضايا والمسائل الهامة التي تشغل بال الأمة الإسلامية في هذا الوقت، يأتي ذلك على طريق الاستجابة العملية للدعوة الكريمة التي أطلقها السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي بضرورة تجديد الخطاب الديني، بما يحقق مقاصد الشريعة ويبرز وجوه السماحة والرحمة فيها، ويتم من خلاله وضع الحلول الناجحة لمشاكل المسلمين، والتصدي لكل فكر متطرف يغير من هوية الأمة وينحرف بها عن معالم الهداية.

إن التفكك الأسري وتزايد معدلات الطلاق وتراجع دور الرعاية والتربية للأطفال قد أسهم بشكل كبير في وجود جيل هش الفكر ضعيف الثقافة والوعي، يقبل بكل شاذ من الأفكار ومتطرف، فلا غرو أن تكون قضية إصلاح الأسرة قضية هامة ومحورية من قضايا تجديد الخطاب الديني، فيناقش المؤتمر في عامه هذا ظاهرة ارتفاع معدلات الطلاق ومتعلقاتها كخطر اجتماعي يلم بمجتمعات المسلمين، فالطلاق وإنهاء علاقة الزوجية أحد الحقوق الشرعية التي يساء استخدامها بين المسلمين نتيجة لعوامل كثيرة من الجهل بحكمة هذا التشريع الرباني والذي هو تسريح بإحسان، وإغفال الجانب القيمي الخاص بميثاق الزواج والنظر فقط لجانب الأحكام الفقهية، مما يؤدي لظهور الكثير من المشكلات الاجتماعية كحالات التسرب الأسري التي يتولد عنها الكثير من السلبيات الاجتماعية في مقدمتها العنف والإرهاب، فيعمل المؤتمر من خلال فعاليته ومحاوره المختلفة على وضع التصور الصحيح لهذه القضية، والعمل على النظر في الأسباب المؤدية لهذه الظاهرة والقيام بتحليلها، ووضع التدابير النظرية والإجراءات العملية اللازمة للحد من هذه الظاهرة، وذلك من خلال مجال الفتوى والإفتاء عن طريق الجمع بين الثوابت الشرعية وما يمكن اتخاذه من إجراءات تجديدية معاصرة تحد من الاستعمال الخاطئ لهذا الحق الشرعي، وبذلك لا يتم تجاوز السقف الشرعي في هذا الجانب.

ومن المحاور الهامة التي راعتها الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم في جدول المؤتمر هذا العام، المحافظة على كيان الأسرة المسلمة بتفعيل منظومة متكاملة لتقديم الدورات التعليمية الإرشادية المستمرة للمقبلين على أمر الزواج، من خلال المؤسسات والهيئات الإفتائية في العالم كله بحيث يتم من خلالها عرض المنهج القرآني ومقومات الأسرة في القرآن الكريم، وبيان الهدي المحمدي في هذا المجال، واللذان يمثلان بلا شك المرجعية العاصمة من أي انحراف في التصور والتطبيق لميثاق الزواج، وكذلك العمل على وضع الخطوات العملية لتفعيل دور الإفتاء الرشيد في الحد من المشكلات الأسرية وذلك بالدعوة إلى إنشاء مجالس الإصلاح والنصح الأسري التي يكون مجال عملها تقديم الاستشارات الشرعية والنصح الاجتماعي الذي يراعي الجوانب الإنسانية، والقيام بحل المشكلات الأسرية ومحاولة الحد من الآثار الجانبية لها، والعمل على توضيح المقاصد الأسرية في الشريعة الإسلامية.

وقد احتل جانب مستجدات القضايا الأسرية المعاصرة جانبًا من محاور المؤتمر هذا العام، وذلك يأتي استجابة لواقع الحياة المعاصرة التي نشأ من خلالها صورًا جديدة من العلاقات الحياتية الجديدة داخل الأسرة بالنسبة للرجل والمرأة، فيعمل المؤتمر من خلال مناقشاته المتنوعة على وضع التصورات الشرعية الصحيحة لهذه المستجدات، وربطها بتحقيق مقاصد الزواج وحماية الأسرة من خلال مراعاة الواقع المحيط الذي غير بعض المفاهيم الاجتماعية التي كانت سائدة في الماضي.

والأمة الإسلامية تنتظر بشغف من المؤتمر الكريم في هذا العام أن يكون من ضمن توصياته وتوجيهاته العمل على تفعيل التوعية الصحيحة بما يتعلق بتشريع الطلاق، وبيان الجوانب الضابطة له بحيث لا يتحول هذا الحق نتيجة لسوء التطبيق والاستعمال من حل رباني إلى مشكلة، وذلك عن طريق إحياء معالم القانون الأخلاقي للشريعة الإسلامية وبيان أنه مقدم على القانون الفقهي، وذلك من خلال النظر إلى ميثاق الزوجية على أنه ميثاق رحمة ومودة كما جاء في القرآن الكريم وليس مجرد حقوق وواجبات.

فأنظار العالم الإسلامي تتجه نحو هذا المؤتمر الذي هو عنوان على الحيوية العلمية والفكرية لشريعتنا الإسلامية، فتنتظر منه الكثير فيما يتعلق بجانب الإفتاء الخاص بالمجال الأسرى، وذلك حماية للأمة مما نتج من انتشار الفتاوى غير المسئولة التي صدرت عن غير المتخصصين من التيارات المنحرفة المتشددة، الذين انحرفوا بمعاني الشريعة الإسلامية في هذا الجانب فأفسدت التصور الإسلامي الصحيح للعلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة، وحولتها إلى ما يشبه علاقة مادية نفعية وأفسدت مفهوم القوامة القائم على مبدأ الرعاية والرحمة إلى ما يشبه العلاقة بين السيد والمسود.

وكذلك من أهم الأمور التي نأمل من المؤتمر التوصية بشأنها البدء في العمل على تأسيس مراكز التوعية الأسرية والتي تعتني برصد المشكلات الأسرية ودراساتها ووضع المقترحات اللازمة لحلها، ويكون من وظائفها تقديم النصح والإرشاد الأسري، بحيث تصبح هذه المراكز جزء من أجزاء الجهاز الإفتائي، والعمل على إيجاد صيغة تعاونية بينها في جميع أنحاء العالم يتم من خلاله تبادل الخبرات والتصورات في هذا الجانب تتوفر من خلاله نماذج جاهزة تتضمن جميع صور القضايا الأسرية.

وانعقاد مثل هذا المؤتمر لعامه الرابع على التوالي وفعالياته هو عنوان الاستجابة لدعوة التجديد التي أطلقتها القيادة السياسية المصرية الواعية بهموم الأمة، والتي نسأل الله أن يوفقها فيما تبذله من جهد ويجزيها عليه خير الجزاء هي وجميع المشاركين في هذا المؤتمر الكريم.