الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

رسالة ميت


وأنا أكتب هذا المقال أعلم أننا لسنا متشابهين كحبات الأرز بل مختلفين كالأحجار الكريمة، وهذا المقال للضمير الإنساني الذي قرر أن يعيش في غرفة معدنية مثلجة، وكانت النتيجة الوقوع في خطايا يصعب غفرانها وإن إستغفرت كثيرا، فليس بعد موت الضمير كفر.

شُيّعت الضمائر لدي الأغلبية، وتقبل عزائها المجتمع، فساد ,قتل ,اغتصاب, افتراء,خيانَةٌ, خِداع, سَرِقَة,غِشٌّ, كَذِبٌ, مُخَاتَلَةٌ،إستبدادٌ, بَغْي, تَعَسُّفٌ, جَوْرٌ, طُغْيانٌ, ظُلْمٌ, قَهْر, إجحاف. 

فتحول ميزان الضمير لتمييز الصح من الخطأ إلي ميزان مقلوب الكفتين مؤشره "ماينص زيرو". 

فصفحات الجرائد تعج يوميا بما ينغص العيش ويوجع القلب ويمهر الدموع،فمن أب يقتل أولاده إلي زوجة تقطع زوجها من أجل عشيقها، ومن إبن مقتدر يرمي والديه في بيوت المسنين إلي أبناء سفاح، ومن شبكة دعارة وتبادل زوجات إلي تجارة المخدرات والأثار، ومن سرقة الكهرباء إلي سرقة الأفكار، ومن غش في الميزان إلي غش وتسريب الإمتحانات،ومن خيانة الأمانة إلي الإفتراء بشهادة الزور،ومن قهر اليتيم إلي ظلم الفقير،ومن التعيين بالواسطة إلي تولي المناصب لأهل الثقة وووو ........!

وعلي الرغم من أن أغلب الجرائم يقع مرتكبوها تحت طائلة القانون ويتحول المتهم فيها من قسم الشرطة إلي النيابة ثم إلي المحكمة بدرجاتها المختلفة ،وبعدها يأخذ الجُرم طريق الجنحة أو الجناية، ليكون الحكم عنوان الحقيقة في نهاية التحقيقات، إلا أن هناك جرائم وسرقات لا يحكمها قانون مثل -سرقة أفكار الغير- وإن حكمها –مثل رسائل الماجستير والدكتوراه- لا تتوافر أدلة المحاكمة ويعجز المسروق منه أن يثبت مسروقاته لأنها تتعلق بالألفاظ والمعاني والأفكار الكامنة بين السطور.

فعندي لا فرق بين سرقة حليب طفل رضيع، وبين سرقة جمل وعبارات من مُؤّلّفْ لنيل درجة الماجستير والدكتوراه، ففي الأولي جريمة قتل،وفي الثانية جريمة قتل للإبداع والتنمية والمستقبل والعقول، فأغلب رسائل الماجستير سرقات من الأخرين، ومعظم رسائل الدكتوراه تتستر تحت ألف هامش وألف مرجع وألف صفحة.

فعالم علي بابا لسرقة الرسائل العلمية يتورط فيها أساتذة فى جامعات مصرية ومكتبات يتم التنسيق بينهما لبيع الرسائل،لتختلف التكلفة من تخصص إلى آخر، وحسب «عمولة» الدكتور الذى سينجزهاا، لتصل إلي 20 إلي 25ألف للماجستير،و35 إلي 50 ألف للدكتوراه، وللخليجيين تصل إلى 5 آلاف دولار.

المائدة شهية وحافلة بنكهات السرقات –أوبن بوفيه- في الشوارع المجاورة للجامعات المصرية فمثلا شارعي[بين السرايات] المواجه لجامعة القاهرة و[الأداب] المجاور لجامعة عين شمس،يحويان عددًا كبيرًا من المكتبات،التى لن نبالغ إذا ما قلنا إن جميعها تتاجر فى الرسائل العلمية علنًا،وبعضها يعلق لافتة[يوجد لدينا إعداد الرسائل العلمية]

لكن ما يجعلك تخرج وتدخل الألات الحاسبة ، عندما تعرف أن هذه المافيا تعد هذه الرسائل وتسرقها من أساتذة توفوا منذ زمن بعيد ، بمساعدة أمين الكلية الذي يمد المكتبة برسائل قديمة من أرشيف الكلية .

الكل يتلمس خطورة القضية لكن قدرة الجامعات علي السباحة في بحورها ،أنهكتها الأمواج الهائلة من عدم توافر ألية حقيقية للرقابة علي هذه المكتبات،وكذلك السرية الكاملة في الإتفاق المبرم بين الأستاذ وصاحب المكتبة، وكذلك عدم وجود [داتا بيز]عن الرسائل القديمة، كما أنه في حالة الإمساك بسرقة علمية يتم تحويلها إلي محاكم عادية تتوه في حكمها الذي غالبا ما تكون البراءة عنوانه .

إذا نحن في حاجة ملحة إلي [محكمة علمية] علي غرار المحكمة الإقتصادية والرياضية ، لتكون عنوان الحقيقة في السرقات إما البراءة أو الإدانة.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط