الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الطريق لكردستان يبدأ من بغداد


"زيارة تاريخية" هكذا يمكن وصف زيارة الزعيم مسعود برزاني للعاصمة العراقية بغداد، واجتماعه برئيس الحكومة المكلف عادل المهدي وقيادات الكتل العراقية، وذلك لأول مرة منذ الاستفتاء الذي شهده إقليم كردستان سبتمبر 2017، وما تبعه من إجراءات عقابية من بغداد ودول الجوار بحق الإقليم، وانتهي الأمر برحيل السيد برزاني عن منصبه كرئيس لإقليم كردستان.

يدخل برزاني بغداد اليوم وهو زعيما للحزب الديمقراطي الكردستاني الأكثر حصدا للمقاعد على مستوى العراق فى الانتخابات الاتحادية الأخيرة، فضلا عن اكتساحه للانتخابات البرلمانية بإقليم كردستان وهو ما يجعل من الزعيم الكردي ممثل لقوة سياسية كبيرة ليس على مستوى الإقليم بل على مستوى العراق أيضا.

حالة الخلافات بين القوى السياسية ببغداد والتي عرقلت اتمام تشكيل الحكومة حتى الآن رغم إجراء الانتخابات مايو الماضي ربما تزيد من أهمية زيارة برزاني لبغداد نظرا لعلاقاته الطيبة مع معظم الكتل السياسية العراقية.

أعتقد أن حاجة بغداد للسيد مسعود برزاني، ربما تفوق حاجة اقليم كردستان لزعيمه التاريخي، الأمر قد يبدو غريبا وقد يستهجن البعض هذا القول ولكني أراه حقيقة ملموسة، فالسيد مسعود برزاني شخصية عراقية لها ثقلها وقادرة على تقريب وجهات النظر بين ساسة بغداد، كما أنه قادر على لعب دور مؤثر فى واقع العراق ومستقبله ، فضلا عن قدرته على لعب دور ما لمواجهة النفوذ الإيراني المتفشي بالعراق. 

مكانة السيد مسعود برزاني وتاريخه تجعلاه أكبر من الوضع السياسي بإقليم كردستان خاصة بعد رحيل مام جلال طالباني مؤسس حزب الاتحاد، والسيد نيشروان مصطفى مؤسس حركة التغيير، كما أن وجود السيد برزاني فى بغداد وتواصله الدائم مع مسئوليها قد يدفع لحل المشكلات العالقة بين بغداد وأربيل ما سيكون له مردود إيجابي على اقتصاد الإقليم واستقراره .

أما على صعيد كردستان، فهناك برزاني أخر لا يقل كفاءة ومهارة وحنكة عن السيد مسعود بل ربما يتميز عنه بفكره وأسلوبه نظرا لصغر سنه، أنه السيد نيجرفان برزاني رئيس وزراء الإقليم، والذي أثبتت الأيام قدرته على إدارة الأمور والعبور بالإقليم لشط الأمان عقب أزمة الاستفتاء.

يحتاج إقليم كردستان لنيجرفان أكثر من حاجته للسيد مسعود، ربما نظرا للموقف السلبي الذي تحمله بعض القوي الكردستانية الشابة تجاه السيد مسعود منذ أزمة الاستفتاء وهو ما قد يعرقل خطوات وحدة الصف التي يحتاجها الإقليم الفترة القادمة.

يتميز نيجرفان بخطاب تصالحي جامع لكل القوى، فسياسته تعتمد على تصفير مشكلات الإقليم وإنهاء خلافاته، والانطلاق نحو تحقيق طفرة اقتصادية، كتلك التي نجح فى تحقيقها قبل ظهور تنظيم داعش 2014 الذي دفع بموجات مليونية من النازحين مثلت ضغطا على اقتصاد الإقليم الصاعد. 

أعتقد أن سقوط تنظيم داعش بالعراق، والعلاقات الجيدة الحالية بين كردستان ودول الجوار تركيا وإيران فضلا عن حالة الحب والود بين أربيل وبغداد، كلها عوامل إيجابية قد تدفع بإقليم كردستان نظرا لما يمتلكه من مقومات اقتصادية وموارد طبيعية لتحقيق طفرة إقتصادية كبيرة، وتجعله قبلة لكل للمستثمرين العرب والأجانب، بل ربما يصبح العمل بكردستان حلما لكثير من العرب كما كان العراق فى مراحل زمنية سابقة. 

سياسيا..أعتقد أن البرلمان الكردستاني مُطالب بإعادة الحياة لمنصب رئاسة الإقليم الذي تم تجميده بعد أزمة الإستفتاء، على أن تجري انتخاباته مطلع 2020 على أقصى تقدير، وهو أمر سيعزز من مؤسسات الحكم الكردستانية ويدعم التجربة الديمقراطية الفتية بالإقليم.

يمكن للسيد نيجرفان برزاني أن يكون رئيسا مختلفا، يقود إقليم كردستان لنقلة حضارية وسياسية وإقتصادية كبيرة، نظرا لنجاحاته السابقة كرئيس وزراء، فضلا عن كاريزماته السياسية والتي قد تجعل منه أحد أهم السياسيين بالشرق الأوسط.

يحتاج الإقليم لرئيس مثل نيجرفان برزاني، لا توجد خطوط حمراء على استقباله بدول جوار العراق، أو الدول العربية الكبري مثل مصر والسعودية والإمارات، وهو ما يجعل القضية الكردية حاضرة على وسائل إعلام تلك الدول بعد عقود من التجهيل المتعمد، كما يفتح الباب لعلاقات اقتصادية وسياسية كبيرة بين الإقليم وتلك الدول. 

كما يمكن أن يلعب الإقليم فى ظل رئاسة نيجرفان دورا فى أزمات الشرق الأوسط، وقد يستقبل مفاوضات سلام سواء بين أنقرة وأكراد سوريا أو بين القوي المتحاربة بجنوب السودان أو طرفي الصراع باليمن وهو ما سينعكس بالضرورة على وضع الإقليم الدولي ونظرة العالم له.

ختاما يبقي كلا البرزانيين مسعود ونيجرفان قادران على حل أزمات العراق وكردستان، واحداث نقلة فى شكل المنطقة واستقرارها، وتقديم نموذج جديد لنظام الحكم الفيدرالي فى إمكانية التعايش بين الإقليم والحكومة المركزية تحت مظلة الدستور الجامع لكل القوميات، الحامي لكل الحقوق، بلا استثناء أو تفرقة، وهو ما قد يجعل العراق نموذج فريد بالشرق الأوسط يسعى الجميع لاستنساخ تجربته وتكرار نجاحاته.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط