الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

فيها حاجة مُرة


كان يلازم فاه اغنية واحدة وهى فيها حاجة حلوة ، ليل نهار يغنيها ويتغنى بها ويتحدث عن جمال بلاده وتميزها وانفرادها رغم همهمة زملائه بأنه لم يزرها وكل علاقته بها هى ذكريات ابيه عنها منذ ان تركها من عقدين واستقر به المقام فى غربته وزواجه من اجنبية وانجابه هو واخته واخيه وانفصال امهم عن ابيهم وتركهم معه وانقطاع اخبارها عنهم واخبارهم عنها.

اش اكرم الابن البكر لسراج الطبيب الاشهر فى هذا الوطن الجديد عاش عمره مشبعا بحب بلده الام ورغبته الجارفة بالعودة اليها والعيش فيها لاطول فترة ممكنة ، ابوه كان يشجعه على تنمية هذه المشاعر بحديث طويل عنها وعن اهلها وعاداتهم المميزة واكلاتهم التى ينفردون بها ويحتلون منزلة خاصة وكل مافيها وفيهم من شد وجذب ،قرب وبعد، فقد كان يصف له البلد والمواطنين بالمد والجزر ..

 اكرم كان على عكس اخوته الذين ورثوا جينات امهم ورفضها لانصهار ابيهم فى الماضى وحديثه الدائم عنه ورفض امهم لان تعيش مع رجل لاينتمى للواقع ولا يتطلع للمستقبل ومللها وهروبها من هذه الحياة الى الحياة التى تسعدها وتتماشى معها ومع طبيعتها . كلما كبر اكرم كلما اخذه الحنين الى بلد ابيه وبلده كما كان يقول لاصدقائه الذين يتهمونه بالغباء السياسى لعدم الافتخار بكونه يحمل جنسية القطب الاوحد ويتجاهلها ويتفاخر باحتفاظه بجنسية بلد من البلدان النامية .

اكرم كان يدخر من مصروفه ومن عمله اثناء الجامعة فى عدة مجالات من اجل شىء واحد وهو قضاء الاجازة فى بلده الام وبلد ابيه الذى يذوب عشقا فيها واذاقه من هذا العشق الكثير حتى الثمالة .

ويتحقق حلم اكرم ويسلم على اخوته ويصحب ابيه ويعودا الى العشق الاول وابوه طيلة الرحلة الطويلة المسافة والزمن يحكى له ويسرد ويأخذه من منطقة لاخرى ومن مكان لاخر ومن جار لصديق لقريب وحتى الاغراب حكى عنهم ابوه واسهب ليقطع صوت حكاويه اعلان المضيفة بربط الاحزمة وبوصولهم الى الارض التى يتلهفان شوقا لكل ماعليها . 

يخرجان من الطائرة يتحملان كل مايقابلهما من اجل الحلم الذى اصبح واقعا ، يخرجان الى الشارع ويتجولان فيه ويصدمهما التغير والتحول ورؤية نوعية من البشر ليست كما كان يحكى عنها الاب ولا كما يتوق للقائها الابن ، فى تعاملهما الورقى والادارى وجدا ان المحسوبية والواسطة هما الصحيحان الاوحدان المسيطران على طريقة الحصول على اية حقوق او واجبات .

نظر كل منهما للاخر فيما معناه لابد ان نتناسى او نتغاضى فربما كانت هذه النوعية هى الاقلية المندسة ،ولكن يطغى على المشهد الاهمال والتسيب وضياع سلطة القانون وعدم تنفيذه كما اعتادا عليه فى موطنهما الذى تركاه لاجازة تعيدهما الى الام وحضنها المفتقد منذ عقود رغما عنهما .

أمضيا اسبوعا تمتعت فيه عيونهم بحضارة قديمة واشمأزت من مناظر حديثة كانت نظرات كل منهما للاخر تقول ان هذه البلد اعظم مكان فى العالم ولكن من عليها لايقدرون عظمتها ولايعملون من اجل رفعتها، اكرم وابوه يشاهدان هذه البلد ويرصدان تحركات وسلوكيات المواطنين ويستكملا هذه الاجازة، وانهياها ، وعادا كلاهما على وعد بأن يظل حنينهما مجرد اغنية يصدحان بها وان كان الاب يستبدل كلمة حلوة بمُرة ولكنه ينطقها من داخله ولايخرجها على الملأ ، والكل يسمع اكرم وهو يغنى فيها حاجة حلوة بينما ابوه يقول فيها حاجة مُرة !!!!!!
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط