الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أنامل الموسيقار: عبقرية وعالمية


في مثل هذا اليوم من شهر ديسمبر عام 1974 رحل عنا ملك العود، موسيقار الأزمان، مطرب العرب، الموسيقار الخالد فريد الأطرش. وفي ذكراه الرابعة والأربعين توقفت طويلًا أمام عبقرية الأنامل، التي قدمت لنا مئات الألحان والمقطوعات الموسيقية التي نالت العالمية. 

أخذت أتتبع من غنوا ألحانه، كي أقف على حجم العبقرية الموسيقية، لنرد له جزءًا من حقه علينا لما أسداه لمصر وللموسيقى العربية، وتمكنت من الوصول إلى أغلب هؤلاء المطربين، وهم حسب الحروف الأبجدية:

إسماعيل ياسين، إسماعيل عبد المعين، أسمهان، تحية كاريوكا، حياة محمد، دلال وحيد، فايده كامل، سعاد محمد، فجر، دلال الشمالي، ثريا حلمي، محمود شكوكو ، رجاء عبده، رئيسة عفيفي، سعاد محمد، سميرة توفيق، سيد سليمان، شادية، شافية أحمد، شريفة فاضل، شهرزاد، طروب، عادل مأمون، عايدة الشاعر، عبد اللطيف التلباني، عصام ارجي، عصمت رشيد، عصمت عبد العليم، فايزة أحمد، صباح، فتحية أحمد، فدوى عبيد، فهد بلان، كمال حسني، ليلي نظمي، محرم فؤاد، محمد جمال، محمد رشدي، مها صبري، ناديه فهمي، نازك، نجاة علي، نجاح سلام، نور الهدى، وديع الصافي، وردة الجزائرية.

بنظرة متأنية لأسماء المطربين التي قاربت على الأربعين، نلاحظ للوهلة الأولى أنهم تباينوا ما بين الغناء الشعبي المرح والغناء العاطفي. من ناحية ثانية، توزعت تلك الألحان ما بين مطربي مصر وسوريا ولبنان بصورة رئيسية.

 وكانت المطربة صباح، هي صاحبة النصيب الأكبر من ألحانه يليها أسمهان، ونور الهدى، ووردة، وفايزة أحمد.

ومن الملاحظ أيضًا أن قدامى المطربين كنجاة علي وفتحية أحمد (مطربة القطرين) وحياة محمد كن من أوائل من غنوا ألحانه، مما يؤكد نبوغه الموسيقي الباكر منذ ثلاثينيات القرن الماضي؛ وتوالت الألحان، فكان كلما ازداد نجم الموسيقار صعودًا في سماء الغناء والتلحين والتأليف الموسيقي، مع انتشار موسيقاه وألحانه عبر الآفاق، ازداد طلب المطربين عليه لينهلوا من ألحانه؛ برغم وجود عمالقة الموسيقى الشرقية آنذاك مثل محمد عبد الوهاب ورياض السنباطي وزكريا أحمد.

لقد حافظ الموسیقار فريد الأطرش على شرقية الجملة الموسيقية، وقدم أفكارًا موسيقية جدیدة ومتطورة لها حلاوتها ومذاقها الخاص، لدرجة أن محمد عبد الوھاب قال ذات يوم أنه مستعد أن يمنح فريد خُمس سنوات عمره، لو أعطاه فرید لحن أغنيته المعروفة "أنا واللي بحبه". 

أما في مجال التأليف الموسيقي، فعبقرية فريد الأطرش تبدو جلية في مقطوعاته الموسيقية، التي خرجت إلى أوروبا، فعزف له فرانك بورسيل، أشهر قائد اوركسترا في فرنسا أربع مقطوعات متتالية عام 64: "نجوم الليل، لحن الخلود، زمردة، ليلى"؛ أما رائعته "يا زهرة في خيالي" فقد طافت أوروبا؛ كما غنى بعض مطربي تلك البلاد ألحانه، في حياته وبعد مماته.

ولا يوجد من مؤلفي الموسيقى العربية من تعدت ألحانه وموسيقاه حدود الوطن العربي بهذا الكم مثلما نال الموسيقار فريد الأطرش (رحمه الله)، صاحب الألحان العاطفية، والوطنية، والشعبية المرحة، والراقصة وغيرها؛ وصاحب أشهر الأوبريتات الغنائية والمقطوعات الموسيقية الشرقية الخالصة، توته توته، وكهرمانة وغيرهما؛ وفي العام 1962 منحته تركيا جائزة أحسن عواد في العالم، دون أن يتقدم لها، تقديرًا لفنه ومهاراته الفنية المتعددة.

لم يغن لهذا الموسيقار العبقري لا السيدة أم كلثوم ولا عبد الحليم حافظ؛ فالأولى كانت دائمًا ما تتدخل في تعديل الألحان؛ وقد لحن لها أغنية "الربيع" وهمت بالتدخل لتعدل بعض جمل اللحن فرفض فريد، وغناه بصوته ليصبح أشهر لحن عربي يرمز للربيع كل عام. وعاد لاحقًا وأسمعها قصيدة "وردة من دمنا" للأخطل الصغير التي تحكي مأساة فلسطين، وبعد أن أعجبت بالقصيدة واللحن الذي طلبته منه، عادت وخشيت على نفسها من اللحن أو عدم ملاءمته لطبقة صوتها الذي جاوز السبعين عامًا. ومع هذا، ظلت أمنية الأستاذ أن تغني له أم كلثوم لحنًا من ألحانه.

أما الفنان عبد الحليم حافظ، ففي لقاء جمع بينه وبين الموسيقار فريد الأطرش أبدى رغبته وأمنيته لو أنه غنى من ألحان الأستاذ؛ ولم لا، وهو من تغنى على عود الأستاذ كثيرًا في سهراتهم الليلية. ثم عاد حليم، بعد وفاة الأستاذ، وأنكر أنه طلب أن يغني من ألحانه، بل تمادى بقوله إن ألحان الموسيقار لها طابع خاص لا تتناسب مع صوته؛ وكأنه لم يستمع إلى أولئك المطربين الذين تألقوا في حفلات الربيع وهم يغنون ألحانه.

رحم الله الموسيقار الكبير فريد الأطرش، ابن الأصول، الذي لم يُنكر يومًا أنه مصري حتى النخاع، برغم أنه ولد على أرض الشقيقة سوريا، وحمل أربع جنسيات عربية في آن واحد.

* كاتب وأستاذ أكاديمي
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط