كفرني.. شكرًا

تشرفت بدعوة من مؤسسة « سانت بول» الخيرية بمونتريال للمشاركة في حفل تكريم الإعلامي «محمد جوهر» رئيس مجلس إدارة شركة "كايرو سات"، والذي تتلمذ على يديه إعلاميون ورؤساء تحرير كبار في مصر والوطن العربي، وكان حفل التكريم لشخصه ولدوره المعروف في حماية القمص متياس نصر و16 قبطيًا من اعتداءات الشرطة العسكرية بعد ساعات من مذبحة ماسبيرو في أكتوبر 2011، وهو الدور الذي جعل الإعلامي يسري فودة يطلق عليه لقب «شندلر مصر».
وبرغم الاستقبال الحافل في حفل مونتريال وبرغم شخص محمد جوهر والذي يستحق كل تكريم - وهذه حقيقة - فيصعب أن تقابل شخصا يحمل كل هذا القدر من التواضع والأخلاق والمحبة للآخرين مثل الإعلامي محمد جوهر، وربما لهذا كان شخصا مقربا من عائلة السادات ومبارك، إلا أنني أثناء الاحتفال كنت أشعر بقدر من الحزن أننا أصبحنا نكرم مسلما لأنه قام بحماية إخوته الأقباط من الاعتداء، وكأن ما حدث شيء غير مألوف أو غير وارد، والذي ربما يشير إلى أزمة كبرى في العلاقة بين المسلمين والأقباط، وأن الأقباط أصبحوا يتعجبون حينما يحميهم أو يتحدث عن معاناتهم شركاء الوطن من إخوتهم المسلمين، وأن الكثير من الأقباط يرون أن العدالة أو الأقلام الصحفية قليلاً ما تنصفهم، خاصة قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير.
وأتذكر على سبيل المثال لا الحصر في مثل هذا الوقت تحديدًا مطلع عام 2000 وبعد مذبحة الكشح والتي راح ضحيتها 21 قبطيا، خرجت علينا صحيفة حكومية بعد الأحداث بساعات لتقول إن القاتل هو «كاهن الكنيسة» بالقرية ولأنه لا يجيد التصويب فقتل الأقباط الـ21 بالخطأ!!!! ودائماً ما يقول المحللون إنه إذا كانت المرأة والأقباط هى الفئات المهمشة في مصر فإن المرأة تجد من يدافع عنها بعكس الأقباط، ولكن سرعان ما زالت هذه المخاوف والإحباطات حينما بدأ «جوهر» كلمته ليؤكد أن موقفه مع الأقباط في تلك الليلة لم يكن موقفا فرديا منه فقط ولكنه كان موقفا جماعيا، فقد شارك في حمايتهم العاملون بالقناة من مذيعين وفنيين وأفراد أمن مسلمين وعدد هؤلاء يتجاوز الـ 150 فردا فمنهم من أعطى بطاقته الشخصية والتي تحمل الديانة «مسلم» للأقباط حتى يقدمونها لأفراد الشرطة العسكرية إذا تم سؤالهم عن دينهم - لأن الشرطة العسكرية كانت تبحث عن الأقباط في تلك الليلة - لنعرف أن الوحدة الوطنية في مصر مازالت بخير.
وبعدها بأيام جاءت فتوى الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح والتي تضم في عضويتها خيرت الشاطر بعدم جواز تهنئة الأقباط «بعيد الميلاد المجيد»، وربما أصاب البعض من الأقباط بعض المخاوف أو الإحباط من هذه التصريحات والتي وصفها مركز «بروكينجز» الأمريكي بأنها خطاب طائفي علني غير مسبوق، ولكن بعدها بدقائق رد المصريون، حيث انتابت صفحات «فيس بوك» حالة غير مسبوقة من التهنئة من المسلمين لإخوانهم الأقباط، بل وإنه في الوقت الذي لم يذهب بعض الأقباط في مصر إلى الكنيسة ليلة العيد بسبب سوء الأحوال الجوية ذهب إخوانهم المسلمون للكنائس لتهنئتهم، ولم تخل كنيسة في مصر من مشاركة مسلمين سواء بالحضور أو توزيع الحلوى على الحاضرين أو لافتات التهنئة، بل إنه في كنائس المهجر شاركت مجموعات من الشباب المسلمين بالحضور في قداس العيد وتناول الأطعمة بعد الصلاة، بل ولأول مره تقام شجرة عيد الميلاد عملاقة وسط ميدان التحرير.
وحينما كتبت خديجة الشاطر على صفحتها عبارة "ومن عجائب الأقدار أن ترى الجو فى أعياد النصارى كل عام يتقلب ويثور وترتعد السماء وتمطر، الكون كله يثور متبرئًا مما زعموه، وترى الشمس فى أعياد المسلمين تشرق لو جاء العيد فى الشتاء ويهدأ لهيبها لو كان الجو صيفًا، فيأتى عيد المسلمين فى كون مشرق جميل، أما يكفينا ذلك دليلاً على أن الإسلام هو الدين الحق"، لتجد ردودا هائلة من المسلمين رفضا لهذه الأفكار واستخدام ظروف جوية للتحقير من دين الآخر، فقال لها البعض «كارثة مروعة مثل تسونامى حدثت لفقراء المسلمين فى إندونيسيا.. لا داعى لاستفزاز مشاعر الأقباط»، بينما قالت لها الناشطة نوارة نجم «ولما رمضان بييجي في عز أغسطس وبنبقى حنرمي نفسنا من الشباك من العطش ولسانا متدلدل من الحر ده بيبقى غضب من ربنا يا ست خديجة؟».
بل وتداول بعض النشطاء على "تويتر" صورة نادرة للكعبة وحولها المياه من كل اتجاه وكتبوا تحتها «ما ردك على أن الأمطار أغرقت نصف الكعبة عام 1941؟»، حتى أن خديجة الشاطر تبرأت من تلك العبارة وقالت إن «هاكر» سرق حسابها صباح يوم نشرها!
ومنذ وصول الإسلاميين للحكم زاد اللعب بالورقة الطائفية والإيقاع بين المسلمين والأقباط، ولكن من الملاحظ بل ومن الملاحظ جدا هو أنه مع صعود الطائفية العلنية تتصاعد أيضا الوحدة الوطنية في مصر، ولهذا نقول لهم استمروا في بث الكراهية واللعب على وتر الدين بين المصريين فذلك أكبر وقود للوحدة الوطنية بينهم، فها هى دعاوى التكفير تحولت إلى دعوات للحب والألفة بين المصريين مسلمين وأقباط، ولو استمر دعاة التطرف والتكفيريون في عملهم بنفس الأداء فربما بعد عام أو عامين ينتهي الاحتقان الطائفي إلى الأبد.