الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

توقعات الأبراج وموقف العلم منها


تنشر الصحف ومواقع التواصل يوميا توقعات تحت عنوان "حظك اليوم" مبنية على تاريخ الميلاد وحركة الشمس والقمر والكواكب في دائرة البروج، فما مدى صحتها وما رأي العلم فيها؟

بداية، نذكر بأن هذه المعتقدات والممارسات قديمة جدا، ويروى أن النبي إدريس هو أول من درس حركة النجوم، وهو حفيد قريب من سيدنا آدم.. وعبر التاريخ كان الملوك وزعماء القبائل يلجأون إلى العرافين لمساعدتهم في إدارة ممالكهم واستقراء نتائج الحروب قبل الخوض فيها، وإلى يومنا هذا، ما زال الهنود يلجأون للأبراج قبل الزواج. 

وانتشرت تلك الممارسات مؤخرا على نطاق أوسع وتحولت إلى تجارة رابحة من خلال الكتب والصحف وضيوف القنوات الفضائية، حتى أن هناك من يشتري الصحيفة ليقرأ حظه فقط! ودخلت شركات الهاتف المحمول في هذه التجارة بإرسال الحظوظ في رسائل قصيرة إلى ملايين المشتركين يوميا نظير أجر. 

هناك من يقول إن توقعات "حظك اليوم" تنطبق عليه حرفيا، وهناك من لا يهتم بها مطلقا، وأجريت دراسات كثيرة حول هذا الموضوع. دراسة أشارت إلى أن الذين يصدقونه من 10- 20% فقط، ودراسة أخرى وجدت أن 70% من الكلام المكتوب هلامي ومعسول ومصاغ بطريقة تجذب القارئ، والبعض يحاول تطويع الكلام ليناسب حالته، أو يبحث من خلاله على بصيص أمل لحل مشاكله. 

ومن نقاط الضعف الأخرى، أن كل حظ ينشر يخص 600 مليون شخص، لأن عددها 12 وعدد سكان الأرض 7.2 مليار، كما أنها تخلط نظام الفلك الإلهي الدقيق بالمعتقدات القديمة، فعند الإغريق مثلا، الإله مارس (المريخ) إله الحرب والنار والدمار، بينما فينوس (الزهرة) إلهة الحب والمال والبنون، وهذا غير منطقي.. وفي تقسيم جديد زادوا عليها برج "الثعبان" ربما لم يسمع عنه القارئ بعد، وعند تطبيقه سيأخذ من وقت الأبراج الأخرى ويغير كل التواريخ التي اعتدنا عليها وهذه مشكلة جديدة.. والأغرب أن في الصين يهتمون بالسنة وليس بالشهر واليوم!
 
لن نتوسع في شرح الأبراج وأوصاف مواليدها وما يحدث بينها من تجاذب وتنافر، فذلك متاح من خلال الكتب ومواقع التواصل، لكن ما يهمنا هنا هو تذكير مختصر بها، ثم توضيح رأي الطب فيها. 

توزع الأبراج الاثنى عشر في أربع مجاميع: نارية (الحمل والأسد والقوس)، ترابية (الثور والعذراء والجدي)، هوائية (الجوزاء والميزان والدلو)، ومائية (السرطان والعقرب والحوت)، مدة البرج شهر تقريبا. 

والشائع أن لكل مجموعة أو برج مميزات وعيوب، فالمائية مثلا رومانسية هادئة وصادقة لكن عيبها التسرع، والترابية واقعية وطموحة وصبورة ومشكلتها العناد، والهوائية تتميز بالذكاء والثقافة والعقلانية لكن عيبها العصبية، أما الناري فهو واثق ومنطلق ومحب للتعلم، لكنه سريع الغضب. 
 
لبيان رأي العلم في هذا الموضوع، لا بد من الرجوع إلى الطب وإلى لغز الحياة.. يأتي الإنسان إلى الدنيا ويغادرها دون أن يعرف إن كان مسيرا فيها أم مخيرا، وهذه مسألة شغلت الفلاسفة ورجال الدين منذ بدء الخليقة، وستبقى لغزا محيرا إلى يوم القيامة.

من الآراء التي قيلت وكانت منطقية وأقرب إلى التصديق هو رأي الإمام الغزالي أن "الإنسان مخير فيما يعلم، مسير فيما لا يعلم".. وهنا نتساءل: كم هي نسبة ما نعلمه ومسئولين عنه، وكم هي نسبة ما لا نعلمه وغير مسئولين عنه وتأثرنا به؟

على سبيل المثال، ومن الناحية الطبية، بعض ما لم تتضح تفاصيله هو تأثير فصول السنة على المواليد. هل الطفل المولود في عز الحر يتساوى مع شقيقه المولود في عز البرد؟ معروف أن في الصيف ترتفع هرمونات السعادة الدوبامين والسيروتونين، وهي بداية جميلة لكل مولود، والشمس تصنع فيتامين "د" الذي يقوي العظام ويعدل المزاج أيضا، وعليه، فإن تأثير الصيف على المولود يختلف حتما عن تأثير الشتاء.. هنا، يتصادم الطب مع الأبراج، لأن قمة الصيف شهرا 7و8 برجاهما حسب التقسيم المعروف السرطان و الأسد، مائي وناري، وهذا غير معقول وخلل آخر يضاف إلى كل ما ذكرناه.

الطفل الذي يولد في البرد الشديد تكون أولى صراعاته مع تقلبات الجو ويحرم من مميزات الصيف، ومولود الربيع ينزل إلى الدنيا في وقت ترتبك فيه الحساسية وتشتد، وفي الخريف تعود مشاكل الحساسية، أي أن للدنيا وسائل ترحيب بالمولود تختلف حسب وقت "تشريفه" لها وتؤثر في تكوينه.. مثلما تنعكس طريقة المعاملة على نفسية الضيف الذي يأتي في وقت مناسب، وغيره الذي يأتي في وقت غير مناسب. 

الخلاصة أن الإنسان مسير في هذه الدنيا أكثر مما هو مخير، وبالتأكيد تؤثر فيه حركة الكون وعوامل أخرى كثيرة رغما عنه، لكن بطرق معقدة لم تتضح بعد، وأن "حظك اليوم" تجارة تفتقر إلى الدليل العلمي وتبيع الأوهام، ولم يحدث أبدا أن ساهمت توقعات الأبراج في أي اكتشاف علمي أو طبي حتى الآن..
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط