لا أقصد بكلمة الوجود هنا ضدها وهى الفناء.. لكنني أقصد تحدى الوجود بما يتناسب وقيمة لبنان تاريخيا، فمنذ الحرب الأهلية التي استمرت ما يزيد على الـ 15 عاما، إثر الخلافات السياسية الحادة بين الطوائف اللبنانية، لا يزال لبنان يعيش أجواءها، نعم، انتهت الحرب، لكن لم تنته الخلافات، بل كان من آثار الحرب حتى اللحظة، هو التأثير الاقتصادي الحاد الذي يعيشه لبنان ويتفاقم يوما بعد يوم، حتى وصل إلى أرقام مخيفة، تكاد تكون مرحلة الانهيار ، شمل أهم القطاعات التي يعتمد عليها اللبنانيون في الدخل، وهى السياحة والعقارات والكساد التجاري.
منذ فترة قصيرة، ذكر محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي في كتابه " قصتى" بأسى شديد، عن ذكرياته الأولى مع بيروت أنها "كانت شوارعها النظيفة، وحاراتها الجميلة، وأسواقها الحديثة في بداية الستينات مصدر إلهام لي. وحلم تردّد في ذهني أن تكون دبي كبيروت يومًا ما" ما ذكره بن راشد، يلخص لنا المأساة التي يعيشها لبنان، وتحدى الوجود الذي ذكرناه آنفا.
حين تطالع مشهد السياسيين هناك وهم يتحدثون عن لبنان وعن الفساد الغارق فيه حتى أذنيه، تأتيك على الفور مقولة رئيس الوزراء الأسبق سليم الحص، بأن في لبنان الكثير من الحرية، القليل من الديمقراطية، فلا أحد من السياسيين يهتم بلبنان، بل يتمحور اهتمامه كله بطائفته أولا، ثمّ يحميه من خارج لبنان ثانيا، لا أستثنى أحدا، إلا واحدا، هو سعد الحريري، إذ تخلص كثيرا من التبعية، بعد حادث الاحتجاز الشهير في السعودية، وبات مهموما بلبنان وبالخروج من النفق المظلم، سياسيا واقتصاديا.
في أبريل الماضي نجح سعد الحريري في عقد مؤتمر سيدر للمانحين في باريس، واستطاع الحصول على نحو 12 مليار دولار من المانحين في المؤتمر، لكن هذه المليارات كانت مشروطة بإصلاحات، وبالتالي لن تشهد أي ترجمة فعلية قبل هذا عام، وحسنا أن تم تشكيل الحكومة مؤخرا، بعد بيات طويل، وصل إلى 9 أشهر، ذلك أن المجتمع الدولي لن يمنح لبنان أي مبالغ إلا بعد أن يري إصلاحا حقيقيا على الأرض، وهو ما نري حماسة الحريري له بشدة منذ تشكيل الحكومة في نهاية يناير.
ما المطلوب، في ظل التجاذبات الجيو سياسية والجيو اقتصادية، بين مختلف طوائف لبنان وزعمائها، ليس من حل سوى الضغط من أجل الإعمار، والضغط من أجل الإصلاح الاقتصادي، لأنه السبيل لإخماد الفورات السياسية التي يعيشها لبنان بين كل فترة وأخري، وأن يكون سلاح الإصلاح الاقتصادي، وهو مؤلم، أبلغ رد كى يخرج لبنان من كبوته، ويعود كما كانت بيروت في الستينيات، " ست الدنيا".