الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أنا مش عانس!


انتشرت فجأة وبدون مقدمات حملة إلكترونية تحت اسم «خليها تعنس»، أطلقها بعض الشباب المُحبَط، اليائس من غده، الفاقد لأمله، وأطلق شعارًا لتلك الحملة في غير محله؛ أطلقه من لا يعرف معنى الرفق بالنساء، ولا الذوق، ولا الكياسة. 

وربما كان مقصد الحملة خيرًا، لكنه بطريقة الدبة التي قتلت صاحبها، أو الذئب الذي نهش الأعرابي، صانع المعروف. ولا شك أن هذه الحملة الذكورية تستهدف أولي الأمر الذين يغالون في المهور ويكلفون الشباب ما لا يطيقون عند إقبالهم على الزواج، دون النظر إلى الاعتبارات الاجتماعية والاقتصادية والدينية.

فالنبي (صلى الله عليه وسلم) قال «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ! مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ». وبهذا حث النبي على ضرورة الزواج متى استطاع الشاب، ليغض بصره ويحصن فرجه فلا يقع فريسة للخطيئة أو معصية الله؛ لاسيما وأن النبي سيباهي بأمته يوم القيامة؛ حيث حث الشباب أن يتزوجوا من الفتاة الودود الولود، وهنا قدم صفة مهمة قبل أن تكون قادرة على الحمل والإنجاب، وهي أن تتسم بالمودة والتي يتبعها الرحمة في السلوك الإنساني؛ حيث يَقُولُ: «تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ، إِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأَنْبِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». وهذا يتفق مع قول الله عز وجل: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ الروم21؛ حيث زرع الله في نفوس الرجال والنساء المودة والرحمة لتبنى عليهما العلاقة الزوجية، ولينشيء بينهما السكينة التي تؤدي إلى التوازن النفسي والرغبة المشتركة في إقامة حياة متكاملة الأركان بين الطرفين.

وقد أشار النبي إلى ماهية نكاح المرأة، حيث قال: تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ» وأضاف: «من رزقه الله امرأةً صالحة فقد أعانه على شطر دينه فليتق الله في الشطر الباقي« وهنا يقول الله عز وجل:﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِه﴾النور:32 

وقد اتفق العلماء على كفاءة الزوج والتي تكمن في شرطين، الأول هو الاستقامة في الدين ومعناه أن يكون الخاطب مسلمًا عدلًا غير فاسق، والشرط الثاني: السلامة من العيوب القادحة في البدن وهي التي ترجع إلى الأمور العضوية كالبرص والجنون ونحوها من الأمراض المُنفرة. وأما ما سوى ذلك من أمور فليس شرطًا في الكفاءة.

إذًا، علينا أن نوجه قولنا بلطف ونصح ورقي في القول إلى كل ولي يملك أمر ابنته، بأن يتقي الله فيها في ضوء الشروط التي وضعت لاختيار الزوج، وفي ضوء السنة النبوية والنصوص القرآنية التي تسعى إلى بناء الأسرة دون مغالاة أو تكلف. 

وعلينا أن نضع في الاعتبار الاحتياجات النفسية والبيولوجية لكل فتاة تنشد الزواج، لاسيما بعد بلوغها، في ظل مجتمع تعبث به مواقع السوشيال ميديا، التي لا ضابط لها ولا رابط، والتي لا نعلم أي صيب يصيب شبابنا وبناتنا من تلك المواقع، مما قد يخدش حيائهن أو يجرحه دون أن ندري.

أما البُعد الاقتصادي فحدث ولا حرج، فمع التفاوت الرهيب في الأسعار، وزيادة معدلات التضخم والبطالة، واستمرار مشكلات البنية التحتية للشباب المقبل على الزواج، كل هذا أدى إلى ارتفاع نسب عدم الزواج بين الشباب والشابات، حتى وصل عام 2017 إلى 13.5 مليون حالة عنوسة، منها 472 ألف أنثى بنسبة 3.3% من إجمالى عدد الإناث مقابل 687 ألف حالة ذكور بنسبة 4.5% من إجمالى أعداد من هم فوق 35 عامًا، وهو رقم خطير ينذر بكوارث مجتمعية وسلوكية يصعب السيطرة عليها، ويفقد الأسرة زمام القيادة.

إن مشكلة تأخر سن الزواج بين الشبان والشبات لا يعني أن ابنتي عانسًا، مع الوضع في الاعتبار أن المشكلة تزداد تعقيدًا مع مغالاة بعض أولياء الأمور في طلباتهم، بما يرهق الشاب المقدم على الزواج، فيُعرض عنه، ومن ثم يتأخر سن الزواج لكلا الطرفين...رفقا بأبنائنا وبناتنا، ولنتق الله –نحن الآباء- فيما رُزقنا به من نعمة الأبناء، ونسعى لنكفيهم بالحلال، حتى لا يقعوا فريسة للقنوط أو اليأس أو الخطيئة؛ وساعتها سأقول لكم أن ابنتي ليست عانسًا.  
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط