الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

خدوهم فقراء يغنيكم الله!


في مقال سابق بعنوان "أنا مش عانس" نشر لي بصدى البلد يوم الخميس 28/2/2019 تناولت الحملة الإلكترونية التي أطلقها بعض الشباب المفتقر إلى ذوق العبارة، وأسماها "خليها تعنس"، ردًا على المغالاة في المهور وطلبات الزواج، مما نجم عنه تأخر سن الزواج بين الشباب؛ وردت بعض الفتيات بأسلوب غير راق على تلك الحملة بحملة مضادة أسموها "خليك جنب أمك". وبطبيعة الحال كلتا العبارتان مرفوضتان تمامًا، فالمودة والرحمة هما أساس العلاقة بين الطرفين، لتعمر الأرض، ويعم الحب والسلام، الذي قد يستحيل في ظل التراشق اللفظي وغياب المودة والرحمة.

وبعيدًا عن هذه المهاترات، دعونا أسأل بعض الأسئلة لكل أب يصبو إلى ستر ابنته:
لماذا ترهق عريس ابنتك بما لا يطيق؟ لماذا المغالاة في المهور؟ هل تظن أن السعادة في المال؟ هل تعتقد أن ابنتك هي الوحيدة التي أنجبتها حواء، وبدونها سيغادر آدم كوكب الأرض؟ هل تعرف كم مليون حالة تأخر في سن الزواج موجودة في بلدك؟ ألم تسمع عن المثل القائل: "من كثر خطابها بارت؟"

دعونا نفكر بشيء من العقلانية، وسأتحدث كأب يحلم باصطحاب ابنته إلى زوجها في يوم عرس من أيام ألف ليلة وليلة. كأب، كنت أعد الأيام دومًا وأنا أرى ابنتي تكبر أمامي، وتزداد بهاءً يومًا بعد يوم، وأُمني نفسي بيوم يأتي فارس على جواد أبيض ويستأذنني في اصطحابها أمامه لينطلقا إلى عالم السعادة، التي ننشدها نحن الأباء قبل الأبناء.
الآن بلغت ابنتك، واكتمل نضوجها، وربما تخرجت من الجامعة؛ وها أنت تتابع أحاديثها، وضحكاتها التي تملأ البيت فرحة وبهجة، وأمنياتها، وطموحاتها؛ تدقق فيما تقبل على مشاهدته في التلفاز والسوشيال ميديا، وربما اكتشفت بالصدفة أنها كأي فتاة أصبحت تتمنى الزواج بشاب يملك مواصفات هي من قامت بوضعها ورسمها في خيالها. اعلم أن ابنتك، جعلتك نموذجًا تؤسس عليه كل ما تتمناه في أمير أحلامها، طرحت من شخصك ما تكرهه، وأخذت منك أجمل ما لمسته فيك، لتؤسس صورة فتى الأحلام.

تمنيت أن تسأل ابنتك عن ملامح ذاك الفتى، وكيف تراه، ولماذا هو بالذات، هل تريد فيه زوجًا أم أبًا أم صديقًا أم أخًا؟ توقف مع نفسك، وتحدث مع أمها، فتخبرك أن ابنتك تريد كل هذا في شخص واحد؛ فهي تريد الزوج الحنون، العطوف، العاشق، الفياض، الكريم دومًا؛ كما أنها تريد الأب بحنانه الفياض، ودفء وصدق مشاعره، والسند عندما تهن أو تشتد عليها الأنواء؛ وتريد الأخ الذي تتحدث معه في كل شيء وبكل ثقة، وتلجأ إليه عند كل شدة؛ وتريد الصديق الذي تراه مرآة لها كل صباح أو مساء، فتُسري إليه بما لا تستطيع البوح به لأبيها أو أخيها أو زوجها. خلاصة العبارة أن ابنتك كتلة من المشاعر.
واليوم يتقدم لها شاب ثلاثيني يود الزواج منها، فإذا بك تضرب بكل تلك المشاعر عرض الحائط، وتأخذ في سرد طلباتك بدءً من الشبكة والمهر والخطوبة وعقد القران والأثاث والأجهزة الكهربائية والشقة التمليك، والفرح، والزفة، والقائمة إياها...وآه من الأخيرة. 

وأرى الآن الشاب وقد جحظت عيناه، وأخذت الطير تحط على رؤوس الأسرة المكلومة التي ضلت طريقها نحو بيتك؛ وها قد مضى العريس ولم يعد ثانية. 
 
وتتكرر المأساة، شاب تلو الآخر، وكلما تحاورت معك ابنتك، تردد عليها قولك: "انتي مش عارفه حاجة، انتي تتاقلي بالذهب، مفيش عريس يستاهلك"؛ فهو يراها قطر الندى، وأنت تريده أن يكون الخليفة العباسي.

مرت السنون، والفتاة تنعي حظها، وتضحك كلما دق بابها شاب من الشباب، وذات يوم قالت لأمها: "ما رأيك! نكتب طلبات بابا ونعلقها في الصالون، فإذا ما دخل الشاب قرأ القائمة، فإما أن يكمل أو ينصرف دون حرج".

وذات يوم وجد ذاك الأب الشاب كامل الأوصاف الذي ظل يبحث عنه طويلًا، ظانًا منه أن سعادة ابنته في شاب موسر، مع أن المثل يقول: "يا واخد القرد على ماله، بكره يروح المال ويفضل القرد على حاله". واتفقت الأسرة على زفاف ابنتها في أفخم فنادق القاهرة، وأثناء الفرح جاءت فاتورة الفندق زائدة 300000 جنيه، ورفض والد العريس أن يدفعها أو يدفع نصفها، حيث أن الزيادة كانت بسبب معازيم العروسة الذين اجتاحوا الفندق كالسيل العرم. وبعد مشادة بين الطرفين، طلق الشاب عروسه وهي في الكوشة وترك الفرح ومضى مع أسرته.(القصة حقيقية)
الخلاصة، استر بنتك ولا تجعل الفقر أو الغني معيار القرار، و"خدوهم فقراء يغنيكم الله"!
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط