الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

بحَّار الأدب المتمرد


أول ما يمكن أن يجذبك فى قراءة كتاب أو منتج أدبى جديد الاختيار الذكى للعنوان .. ثم أسلوب طرح الأفكار والإبحار فى فصوله حتى آخر نقطة فى السطر الأخير .. ومنهما يتشوق المرء لمعرفة المزيد وعدم التوقف عن القراءة واليقظة عند كل جزء .. 

واستطاع الكاتب الصحفى والناقد الأدبى المتميز الدكتور محمد حسين أبو الحسن أن يجبرنا على التأمل فى عبارة كتابه الجديد "النص السردى المتمرد .. ودراسة نقدية فى تحولات الرواية الجديدة"، إذ أن الموضوع يتعلق بثورة كامنة فى المنتج الأدبي وما يمكن أن يتولد عنه من أفكار ومبادئ وقيم فلسفية وإنسانية ترتبط بمتغيرات سياسية واجتماعية واقتصادية تعيشها المجتمعات العربية عامة والحالة المصرية على وجه الخصوص .. ومن خلال نماذج فنية وتجارب أدبية بعينها يتشكل وجدان ونسيج أى مجتمع ويتأثر أفراده وشرائحه بتفاصيلها ودلالاتها، بما ينعكس على تطور وثقافة هذا المجتمع .. ومن ثمَّ يقف عند مفترق طرق ويصنع لنفسه تاريخا ومجدا وحضارة.

ومعيار قوة أى مجتمع ينبع من عظمة مثقفيه وموهبة أدبائه ورواد الفكر والوعى الإنسانى فى أرجائه .. والغوص فى بحر هذه العوالم الأدبية العميقة يقتضى إلى كاتب بروح أديب ومشاعر فنان قادر على الانصهار داخل أي إنتاج من أى نوع وهضم مفرداته وصولا إلي تحليلها نقديا وبأسلوب علمى يقترن بخلفية تاريخية وثقافية تساعد على الفهم وتبسيط الرسالة من وراء هذه الأعمال النادرة .. وتوفر هذا فى الدكتور أبو الحسن بحكم حرفيته فى الكتابة النقدية الواعية ومهارته فى جمع المعلومات وتوثيقها في سلاسة وبراعة بسرد المراجع والمصادر التى استند إليها فى فصول كتابه التى تزداد دسامة وثراءً من مرحلة إلى أخرى.

أما طريقة العرض فلنا إزاءها وقفة صادقة إيمانا بالفكرة وإنصافا لها، ومع كتاب بهذا الثقل والوزن الأدبى يعكف على تشريح الرواية وكشف أبجدياتها بما يفيد القارئ العادى قبل المتخصص، فهى تجربة تستحق الاحترام والإعجاب لدورها التثقيفي والجهد المخلص فى تجميع وترتيب المادة العلمية والأدبية الغزيرة .. إلا أن نصيحتى المتواضعة لزميل الأهرام العزيز بأن مثل هذه النوعية من الكتب تتطلب أجزاء منفصلة فى سلسلة متتالية بحيث يتم التركيز على مناطق مختلفة، لاسيما وأن حصرها فى كتاب واحد يفرض عليه الطابع الأكاديمى ولا يخفف من حدة وجمود المعلومات رغم أهميتها وقيمتها الرفيعة.

وفي تصورى أنه فى حالة تقسيم كاتبنا المثقف لمحتويات الكتاب على هذا النحو، لكان من المتيسر الإبحار معه فى الكثير من النماذج والصور الأدبية المبدعة التى اهتم برصدها وتسجيلها .. وصار القارئ قادرا على إمعان النظر والتفكير فى أبعاد النصوص المطروحة .. بل وكانت الفرصة أكبر لخلق مساحة مريحة ليحظى كل سياق من سياقات تشكيل الرواية أو القصص الأدبية بالتكثيف والاهتمام دون مرور عابر وسريع عليها فتفقد رونقها ويتراجع مذاقها.

ويبقى التنويه إلى أننا أمام مرجع علمى وتطبيقى يبعث على الفخر والاعتزاز لما به من معلومات ثقافية غنية ومطعمة بحس إنسانى مرهف حتى وإن غلب على أسلوب الكتابة اللغة الرصينة وتلونت فصوله بالجمل والفقرات ذات الصبغة العلمية البحتة .. ولكننا ربحنا فى مكتبتنا التنويرية كنزا معرفيا نادرا بقلم أبو الحسن البحَّار الجديد فى "الأدب المتمرد"، والذى منحنا مُقرَّرا علميا ودراسيا مكانه فى المدارس والأقسام الأدبية المتخصصة بالجامعات للارتقاء بالعقول وغرس أصول النقد والتحليل والتفنيد لدى جيل جديد من المثقفين الصاعدين .. ولايوجد أفضل من أمثال هؤلاء البحَّارين الثائرين للاستعانة بهم فى تنشئة الشباب وبناء المجتمع الصحى .. والإنسان الواعى.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط