الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أمم أمثالكم (1)


كباحث علمي، شدتني الآية القرآنية الرائعة "وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم" (الآنعام 38).. قال الزّجّاج في تفسيرها: "أمثالكم في الخلق والرزق والموت"، وقال القرطبي: "جماعات أمثالكم خلقها الله وتكفل بأرزاقها، أمثالكم في التسبيح"..

وبعد التطور العلمي الهائل الذي تحقق في السنوات الأخيرة، توفرت لدينا معلومات كثيرة عن هذه "الأمم" لم تكن متاحة للمفسرين القدامى رحمهم الله، وهذا ما دفعني لكتابة هذه السلسلة من المقالات التي تبرز بعض صفات هذه الأمم والعوامل المشتركة التي تجمعنا بها.

المقال الأول من هذه السلسلة خصصناه لـ "أمة القرود"، لكن قبل ذلك، كان لا بد من شرح الأساس العلمي الذي يميز كل ما هو حي.

معلوم أن الحيوان لديه مشاعر وأحاسيس، يعرف الحب والمودة والرحمة والملكية والمنافسة ويجيد فنون الحرب والقتال.. شاهدنا كلابا تدافع عن أطفال أو تنقذها من الغرق، وقرودا تعزف موسيقى، وزنابير تهاجم خلايا نحل، ومفترسات تخطط بدقة للصيد.. 

أمم المخلوقات التي تعج بها الأرض ليست ضعيفة أو غبية كما يظن البعض، بل على العكس، بعضها قادر على محاربة الإنسان والانتصار عليه رغم ضآلة أجسامها، والكل يعرف ما تسببه لنا البكتريا والفيروسات من أمراض تصل إلى حد الوباء الذي يحصد مئات الآلاف من الأرواح، والأغرب من ذلك تفننها في طرق النفاذ إلى أجسام البشر.. فكيف يأتى الحيوان بمثل هذه الأفعال؟ لا بد أن يكون في عقله شيء من عقل الإنسان وأكثر، وهذا ما تأكد بالفعل.

عند بدء الخليقة وضع الخالق سبحانه دستورا في كل كائن حي يحكم حياته ويحدد سلوكه ونموه وشكله ولونه وحركته وطريقة تكاثره، هذا الدستور الحاكم لحياة الكائن هو الحمض النووي، الذي لا يمكن فهم علم الأحياء واختلاف الخلق إلا من خلاله.

ثبت أن الحمض النووي في المخلوقات هو السبب في أن كل أمة لها صفات وإمكانات تميزها عن غيرها، ليس هذا فقط، بل أن فروق الحمض النووي فيما بينها تمنح كل نوع ميزة لا يملكها غيره، وأحيانا تكون أشبه بالمعجزات ويقف الإنسان عاجزا أمام تفسيرها. 

فما هو الحمض النووي؟ هو كتلة ذاكرة تشبه الفلاشة وضعها الخالق سبحانه في نواة كل خلية حية حيوانية ونباتية بلا استثناء، دقيقة لا ترى بالعين المجردة لكن قدرتها التخزينية تقارب 725 ميجابايت، أو ما يضمه 700 كتاب!
تمكن العلماء من فك رموز الحمض النووي هذا وقراءته، وكانت المفاجأة، وهي وجود فقرات مشتركة منه بين الإنسان وكل المخلوقات الأخرى بما فيها البكتيريا.

ولتقريب الفكرة أكثر، قسم العلماء الحمض النووي إلى مائة جزء وتوصلوا إلى ما يلي: بالنسبة للبشر، يشترك كل سكان الأرض في 99.9% من تركيب الحمض النووي، والنسبة الضئيلة المتبقية هي المسئولة عن الاختلاف بين الأشخاص أو "اختلاف ألسنتهم وألوانهم". 

وإذا ابتعدنا عن البشر نزولا من قمة التطور، نجد الشمبانزي الأقرب إلينا، يشاركنا في 99% من الحمض النووي، والواحد من المائة الباقي فقط هو الذي جعله شمبانزي، ونظرا لقربه الشديد من البشر، نجد لأنثاه دورة شهرية وحيض ومدة حمل قدرها ثمانية أشهر وفترة بلوغ هي نفسها عند الإنسان بين 10-15 سنة، ومتوسط عمره يساوي أو أقل قليلا من متوسط عمر الإنسان!.

نفس الشيء تقريبا يسري على القرود الكبيرة الأخرى كالغوريللا والأورانجوتان اللذان يشاركان الإنسان في 98% و97% من حمضه النووي على التوالي.. ويعتبر غياب الذيل والمشية المنتصبة من علامات الرقي عند القرود الكبيرة.

وكلما نقصت نسبة مشاركة القرد في الحمض النووي للإنسان كلما زاد القرد اغترابا، وابتعد حتى عن صفات القرود نفسها، حتى نجد قرودا تشبه الكلاب كقرد الماندريل، وقرودا تشبه القطط كالليمور. 
 
ولقربه الشديد من الإنسان، استخدم الباحثون الشمبانزي في اختبار الأدوية الجديدة قبل إجازتها للبشر، وكل أعضائه كالقلب والكلى والقرنية وغيرها قابل للنقل إلى الإنسان لتقوم بنفس الوظيفة فيه، شرط توافقها المناعي.
كما أن أهم الفحوصات قبل الزواج، وهو عامل "آر إتش" أو "الريسس" المسبب للإجهاض بعد الطفل الأول (لو كان الأب موجبا والأم سالبة)، اسمه مأخود من اسم قرد اكتشفت فيه هذه المادة لأول مرة.

أما تقديس القرود وعبادتها فحدث في زمن الفراعنة بالنسبة لقرد البابون، وما زال يحدث حاليا في بعض الدول الآسيوية مثل الهند وتايلاند، حيث يقدسون قرد الماكاك ويعتبرونه من سلالة آلهتهم، ويقيمون له احتفالات سنوية تنصب فيها الموائد ويقدمون له ما لذ وطاب من الفاكهة والفول والبيض وغير ذلك.

وفي منطقتنا بعض من يعتقدون في الخرافات وتشغلهم رؤية القرود وغيرها من الحيوانات في المنام، وتستضيف لهم قنوات فضائية "خبراء" في تفسير الأحلام لمجرد الفرقعة الإعلامية وترسيخ الخرافة.


المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط