الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

بطل وشهيد نهاوند




هداه الله للإسلام، وهدى معه أهله وإخوته فقال لقومه: "يا قوم واللّهِ ما عَلِمْنا عن محمدٍ إِلاَّ خيرًا، ولا سَمِعْنَـا من دَعْوَتِهِ إِلاَّ مَرْحَمَةً وِإحْسانًا وعَدْلًا، فما بالُنا نُبْطِئُ عنه، والناسُ إليه يُسْرِعون؟! ثم أتبعَ يقول: أما أنا فقد عَزَمْتُ على أن أغدُوَ عليه إِذا أصْبَحْتُ، فمَنْ شاءَ منكم أنْ يكونَ مَعي فَلْيَتَجَهَّزْ"، فقدم على النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة مع قومه ومعه الهدايا معلنا إسلامهم جميعا، فاهتزت المدينة فرحا وطربا بهم المدينة أشد الفرح بهذا الخبر إذ لم يسبق لِبيت من بيوت العرب أن أسلم منه أحد عشر أخا من أب واحد ومعهم أربع مائة فارس، إنه الصحابي الجليل النعمان بن مقرن بن عائذ المزني، الأمير القائد، المجاهد، الذى كانت أول مشاهده الخندق -الأحزاب-، وشهد بيعة الرضوان، وكان إليه لواء مُزينة يوم الفتح.
اشتهر النعمان -رضي الله عنه- هو وأهله واخوته بنو مقرن بحب الله ورسوله، والإنفاق في سبيل الله عز وجل، والتضحية من أجل دين الله سبحانه، حتى أنزل الله تبارك وتعالى فيهم قرآنا يتلى الى يوم القيامة، تصديقا لجميل خصالهم وعظيم وصدق أفعالهم، يقول ربنا تبارك وتعالى فيهم في الآية التاسعة والتسعين من سورة التوبة مادحا إياهم ومثنيا عليهم: "ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول إلا إنها قربة لهم سيدخلهم الله في رحمته إن الله غفور رحيم".
تروى موسوعة الأسرة المسلمة عن سيرة هذا الصحابى المجاهد المنفق الكريم النعمان بن مقرن، أنه منذ أسلم وهو يرفع لواء قومه مجاهدا بهم في سبيل الله شرقا وغربا، فنجده فارسا مقاتلا شجاعا في فتح مكة، وجسورا في الجهاد ضد هوازن والطائف وثقيف، ومحاربة المرتدين ومدِّعي النبوة في عهد الصديق -رضي الله عنه-، كما شارك النعمان في معركة القادسية، 15 هـ مع القائد سعد بن ابى وقاص رافعا لواء قومه فيها، والتي شهدت أروع بطولاته وتضحياته، كل هذه الحروب خاضها النعمان بن مقرن بقومه محتسبا أجره عند الله، طمعا في مرضاته، متمنيا أن ينعم الله عليه بالشهادة في سبيله.
من صفات الصحابى الجليل النعمان بن مقرن أيضا، كغيره من ساداتنا صحابة رسول الله -رضى الله عنم جميعا- أنه كان لين الجانب، زاهدا في الدنيا ومفاتنها، لا يرضى حياة الرفاهية والإمارة، بل يفضل حياة العمل والجهاد، ذلك أنه حين عرض عليه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الإمارة على قبيلته، رفض واعتذر لعمر، حبا في مواصلته لرحلة جهاده في سبيل إعلاء كلمة الحق والدين، فكان النعمان قائدا على رأس الجيش الذي نجح في فتح البصرة ثم الكوفة، فقضى بذلك على وجود الفرس في بلاد العرب.
وفى نهاوند، الوقعة الكبرى التي أطلق عليها العرب اسم فتح الفتوح سنة 21هـ، جمع "يزدجر" كسرى فارس آنذاك جيشه العظيم المؤلف عدده أكثر من مائتي ألف فارس، جاعلا منها -نهاوند- قلعة يوجِّه منها سهامه إلى الإسلام، مصرا على محاربة المسلمين والقضاء عليهم، وأحس أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بخطورة وعظم الأمر، حشد جيوشه الإسلامية، وأراد أن يقود الجيش بنفسه، إلا أن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أشار عليه بأن وجوده وبقاءه في المدينة خير للمسلمين من خروجه، حتى يرعى شئون الأمة الإسلامية التي امتدت أطرافها شرقا وغربا، فاقتنع الفاروق عمر برأى علي، وقال لمن حوله: أشيروا عليَّ برجل أوليه قائدا في هذه الحرب، وليكن عراقيًّا، وله خبرة بطرقها ومسالكها، فقال له أصحابه: يا أمير المؤمنين، أنت أعلم لجندك وقد وفدوا عليك، فقال عمر: والله لأولين أمرهم رجلا يكون أول الأسنة إذا لقيها غدا، فقالوا: ومن يكون؟ قال عمر: النعمان بن مقرن المزني، قالوا: هو لها يا أمير المؤمنين.
فأمر عمر -رضي الله عنه- النعمان بن مقرن أن يتجه بالجيش إلى نهاوند، ثم أرسل إليه عمر جيشا آخر بقيادة حذيفة بن اليمان ليكون مددا وعونا له، فأصبح عدد الجيش الإسلامي ثلاثين ألف فارس، والتقى بجيش الفرس في حرب شديدة، ظلت يومين لم يستطع أحد أن يحقق النصر على الآخر، وفي اليوم الثالث نجح المسلمون في أن يبعدوا الفرس عن مواقعهم ويدخلوهم خنادقهم وحصونهم ويحاصرونهم فيها.
بعدها طال حصار المسلمين للفرس، ففكر النعمان وجنده في حيلة يخرجون بها الفرس من حصونهم، فأشار طليحة بن خويلد الأسدي -رضي الله عنه- بأن يوهم بعض المسلمين الفرس أنهم قد انهزموا، وينسحبوا من الميدان، فينجذب نحوهم الفرس، ويتركوا مواقعهم، ثم ينقض عليهم الجيش الإسلامي كله مرة واحدة، فيهزموهم بإذن الله، فنفذ هذه الخطة الحربية القعقاع بن عمرو -رضي الله عنه- مع بعض جنود المسلمين، ونجحت الحيلة، وظن الفرس أن في جيش المسلمين ضعفا، فخرجوا وراءهم ليقضوا عليهم، فانقض عليهم المسلمون، واندفع النعمان بن مقرن في صفوف الفرس، يقاتل قتالا شديدا؛ طامعا في النصر للمسلمين وفي الشهادة لنفسه، داعيا ربه قائلا: "اللهم إني أسألك أن تقرِّ عيني بفتح يكون فيه عز الإسلام، واقبضني إليك شهيدا".
فنال النعمان أمنيته، وسقط شهيدا في أرض المعركة، وقبل أن تقع الراية من يده أسرع إليه أخوه نعيم، آخذا الراية منه ليواصل المسلمون جهادهم، ويكتم نعيم خبر استشهاد القائد، ويقوم حذيفة بن اليمان الذي أوصى النعمان له بقيادة الجيش من بعده، فيواصل المسيرة حتى تنتهي المعركة بنصر كبير، أعز الله به الإسلام والمسلمين، وفي جو الفرحة تساءل المسلمون عن قائدهم النعمان؟ فأجابهم نعيم قائلًا: هذا أميركم، قد أقر الله عينه بالفتح، وختم له بالشهادة.
ووصل خبر استشهاد النعمان بن مقرن إلى المدينة، فصعد عمر المنبر ينعي للمسلمين هذا البطل الشهيد، ليقول وعيناه تذرفان بالدموع: "إنا لله وإنا إليه راجعون"، فيبكي المسلمون بالمدينة، ويرتفع صوت عبد الله بن مسعود بالبكاء وهو يقول: "إن للإيمان بيوتا وإن بيت ابن مقرن من بيوت الإيمان"، وهكذا يسجل التاريخ يوما من أعظم أيام الإسلام، يوم نهاوند، ذلك اليوم الذي استشهد فيه قائد المسلمين فيها النعمان بن مقرن، وفى يوم الجمعة، وبأرض نهاوند دفن النعمان في سهل ممتد تكسوه الأشجار العالية، ودفن معه من استشهد في ذلك اليوم الخالد.. رضى الله عن النعمان بن مقرن جزاء ما قدم لدينه، وحشرنا الله تعالى مع نبينا ومعه وسائر الصحابة الأجلاء.. وصوما مقبولا وإفطارا شهيا.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط