عالم الطفيليات.. دروس ومعجزات

لكل طفيل أسلوب حياته الخاص به، مصمم ليضمن له البقاء، والكثير منها اختار نظام المستقَر والمستودَع، وهذا يذكرنا بالآية القرآنية الكريمة "وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقَرها ومستودعَها" (هود 6)، قال الزمخشري "يعلم مكان معيشتها وما كان قبله من صلب أو رحم أو بيضة"، وإن كان بعض الطفيليات دقيق لا يرى بالعين ويصعب اعتباره من الدواب، إلا أن معنى الآية ينطبق عليها تماما، فالمقصود بالمستقَر هو مكان معيشة الطفيل، ومستودَعه في كائن آخر ينشر له العدوى، ونضرب في ذلك مثل الملاريا. 

مستقَر طفيل الملاريا في جسم الإنسان، ومستودَعه في أنثى البعوض "مندوبة التسويق والتوزيع"، هي التي تجلب له زبائن جدد بنقلها المرض من شخص مصاب إلى آخر سليم، وطريقتها في زرق إبرتها في الوريد لسحب الدم أمهر من أي ممرضة أو طبيب، وبفعلها هذا يموت مئات الآلاف من البشر.. والعجيب أنها تنقل المرض ولا تصاب به، فلم نسمع في الأخبار عن بعوضة ماتت بالملاريا!.

في عام 2017 تساءل فريق من العلماء لماذا لا تصاب البعوضة بالملاريا؟ وبعد أبحاث مضنية تبين لهم أن البعوضة لديها جهاز مناعة يمنع وصول جرثومة الملاريا إلى كريات دمها، وتوجب عليهم حل هذه المشكلة.
بما أن محاولات القضاء على البعوض باءت بالفشل، فلم يبق أمام البشرية سوى أحد خيارين: إما ابتكار طريقة لإضعاف مناعة البعوضة ضد الملاريا لتموت هي منه، أو محاولة خلق نظام مناعي في الإنسان ضد جرثومة الملاريا كذلك الذي وضعه الله في البعوضة! 

الدودة الشريطية طفيل عجيب أيضا، طولها يصل إلى عشرين مترا، وتعيش 30 سنة في أمعاء الإنسان والغذاء حولها لا ينقطع، تضع آلافا من البويضات يوميا أملا في وصول بعضها إلى أفواه بشر آخرين، رأسها مثبت وجسمها يتقطع قطعة قطعة عند نهايته، وكل قطعة تنفصل عبارة عن كيس مليء بالبويضات.

أما دودة الانكيلوستوما فتعلق في جدار الأمعاء بأسنانها وهي الدودة الوحية التي لها أسنان وتسبب نزف دم أضعاف ما تمتصه، تعيش 4 سنوات تضع خلالها 217 مليون بويضة، تخرج مع البراز أيضا.

وهناك ديدان تفضل العيش في العين وتسبب العمى، ونوع من الأميبا يصل إلى المخ ويقتل خلال أسبوع.
ديدان الفيلاريا تعيش في العقد الليمفاوية وتسد مجرى السائل الليمفاوي، ما ينتج عنه تورم وتضخم الأطراف السفلية، والغريب أنها لا ترسل صغارها إلى الدم إلا عند حلول الليل عندما يبدأ البعوض في التحرك وهو الناقل لهذه الصغار.

بق الفراش يعيش في المراتب ومفاصل الأسرة وثقوب الجدران القريبة من أماكن النوم ليمتص دم النائم، ويمكنه البقاء في أماكنه دون طعام لعدة أشهر بانتظار عودة صاحب الفراش لو غاب أو سافر!
وقد جرب بعض العلماء فكرة ضرب طفيل بآخر وقتلهما لبعضها، ونجحت في حالات قليلة. 

ونختم ببعض التوصيات والاحتياطات المفيدة: بعض الأغذية الطبيعية تفقد الديدان توازنها وتطردها من الأمعاء كالثوم والبصل وبذور عباد الشمس والكركم.

ولتحاشي خطر الإصابة بالطفيليات عموما ينصح بتطبيق الحكمة القائلة "الوقاية خير من العلاج"، والقصد هنا نظافة الفرد والبيئة، وهو ما أكدت عليه آيات قرآنية وأحاديث نبوية كثيرة، ففي سورة المدثر "وثيابك فطهر"(4)، وغسل اليدين من أركان الوضوء للصلوات المفروضة وغير المفروضة.

وهناك عدد من الأحاديث جاءت سابقة لعصرها قبل تقدم الطب وكانت صادقة ودقيقة، مثل: "غطوا الإناء واوكئوا السقاء" (صحيح الجامع) لقطع الطريق على الذباب في نقل الأمراض، والنهي عن التبول في الماء الراكد (مسلم) لدرء أخطار كالبلهارسيا، و"اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل" (أبو داود)، لأن البراز يحتوي على بيوض الديدان المعوية كما ذكرنا، وإماطة الآذي عن الطريق تعني نظافة البيئة، وهي من شعب الإيمان كذلك.

وأشارت أبحاث في الغرب إلى أن مجرد غسل اليدين يقلل انتشار العدوى من 50-90%، ولأهميته البالغة، حددت الأمم المتحدة اليوم العالمي لغسل اليدين في الخامس عشر من أكتوبر من كل عام.!