الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ورشة المنامة.. هل تفجر صفقة القرن أم تنهى على حلم الدولة الفلسطينية؟


• المشهد العام
في ظل تخبطات الإدارة الأمريكية بقيادة دونالد ترامب ومشروعاتها المبتسرة في كل أقاليم العالم، تقدم في ٢٥-٢٦يوينو ٢٠١٩، نموذجا مشوها جديدا، لما تعتبره جهود لإحياء عملية السلام في الشرق الأوسط، فيما تداول على تسميته بصفقة القرن.

عدة عوامل يجب تدارسها في سياق تناول هذا الموضوع الشائك، وهى المكان والتوقيت والارتباك والبيئات المختلفة من عالمية وأمريكية وإقليمية وعربية وفلسطينية وإسرائيلية، عند الحديث عما يسمى بورشة المنامة.

*لماذا البحرين؟!
لنبدأ من المكان، حيث كانت هناك عدة مناطق مقترحة لإستضافة الحدث، حتى قبل أن تحدد هويته الكاملة، ومنها قطر والإمارات والأردن ومصر والمغرب وعمان، لكن لأسباب عديدة منها الموقف المصرى القلق من المشروع، ولديه تحفظات عليه.. استبعدت القاهرة من الاستضافة، والأزمة الخليجية إستبعدت قطر، والإمارات والبحرين، كانتا الأقرب، من المغرب والأردن، والغريب كان عدم استضافة عمان لهذا الحدث، رغم استقبالها نتنياهو مؤخرا، وحديثها عن تقريب بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لكن كانت للبحرين الغلبة، لرغبتها في تقارب أكبر مع أمريكا وإسرائيل، نكاية في إيران وتقوية لوضعها الدولى.

وتشهد العلاقات البحرينية الإسرائيلية في الفترة الأخيرة، تقاربا غير معتاد، وصل لحد تبادل الزيارات الدينية والرسمية، وللتوترات مع إيران دور كبير في ذلك، فيما كانت قطر والإمارات سابقة للبحرين في وصول وفود رسمية أكبر من إسرائيل لهما على كل المستويات، بل عزف فيهما النشيد الإسرائيلى"تيقڤا" عدة مرات،ولكن كسبت البحرين الاستضافة، رغم الجدل الداخلى حولها، خاصة إن الإدارة الأمريكية تتكلم عن ورشة المنامة، أكثر من البحرين، وكأنها مجرد فندق للإستضافة .

• تراجع مستوى الحدث
وبعيدا عن المكان، كانت لهوية الحدث مساحة أكبر من محتوى الحدث في حد ذاته، وارتبط ذلك بشكل كبير بحالة الربكة، التى أصيبت بها الإدارة الأمريكية على خلفية عدم الاستقرار السياسي في إسرائيل، والموقف الفلسطينى غير المتفاعل بالمرة مع المشروع الأمريكى، وحتى مواقف الدول المشاركة في الورشة، وبالتبعية تحول هذا الحدث، الذي روج له على إنه مؤتمر اقتصادى، يختص بالملف الاقتصادى في عملية السلام، إلى مجرد ورشة عمل عن الرؤية العامة للاقتصاد الفلسطينى، وفق الحديث الأمريكى الغالب، وبالفعل تراجع الحديث عن مستوى المشاركات من وزراء ومسئولين إلى ممثلين شعبيين ورجال أعمال واقتصاديين غير رسميين، وبالذات من الجانب الاسرائيلى، في غياب كامل للجانب الفلسطينى، وبالتالى فلا ينتظر أحد الكثير من التجمع الفاشل مسبقا.

ويدور حديث في الأروقة حول إن واشنطن تراجعت عن دعوة وزير المالية الإسرائيلى موشيه كاحالون ، حليف نتتياهو، لأنه الحكومة الموجودة في إسرائيل ليست منتخبة، بل موجودة لتسيير الأعمال، والغريب إنهم يروجون إنهم إنتهوا إلى هذا القرار بعد مشاورات مع المسئولين البحرينيين.

الأهم إنه بعد أن كان الإسرائيليين يرددون تصريحات متطلعة لما سيحدث، في الورشة، حول أن الأمريكيين يقدمون تعاونا للشرق الأوسط كله، تستفيد منها من أسموهم بالدول العربية البرجماتية، تراجعوا وقالوا على لسان وزير المخابرات يسرائيل كاتس، إنهم ليس مهتمين بالمشاركة، فيما كان ينتظر كاحالون المشاركة لتلميع نفسه، بصفته حليفا لليكود ورقما يكبر في المشهد الانتخابي الإسرائيلى.

لكن إجمالا لم تتغير صورة ومستوى المشاركات العربية،حتى الآن على الأقل ، بين حديث المؤتمر وحديث ورشة العمل، خاصة أن بعض الموافقات ووعود المشاركة، حصلت عليها الإدارة الأمريكية مؤخرا بدون تفصيلات، على الأقل معلنة، ومنها مصر والأردن والمغرب، لكن أغلب التوقعات تدور في سياق مشاركة وزراء الخارجية أو مساعديهم، حسب مستوى المشاركة الأمريكية

بالتالى تراجعت الآمال مما سينتهى إليه الحدث، والذي لن يخرج عن توصيات ودعوات غير ملزمة، خاصة إن لقوى مجلس الأمن رأيا آخرا فى المشروع الأمريكى، وبالذات روسيا والصين، مناقضا بالطبع.

• المشهد الاقتصادى الفلسطينى
ومن ضمن حديث هوية الحدث، فإنه هناك صراعات اقتصادية كبيرة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل،من ناحية، وبين السلطة الفلسطينية والإدارة الأمريكية من ناحية أخرى، حيث يتعرض الفلسطينيون لما يمكن القول إنه مخطط تجويع وعقوبات أمريكية متلاحقة، بحجة الموقف الفلسطينى من إدارة ترامب، خاصة بعد المقاطعة عقب إقرار ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، حيث تتوالى العقوبات الاقتصادية الأمريكية على الفلسطينيين، فكان من مشاهد الكوميديا السوداء، أن تتدعى واشنطن إنها تقدم النعيم الاقتصادى للفلسطينيين من خلال صفقة القرن، والتى تراجعوا عن الطرح المباشر العلمى لمحورها السياسى المشبوه، واكتفوا بتنفيذه الفعلى الجزئي من خلال الاعتراف الأمريكى بإسرائيلية القدس، وضم الجولان، وتمهيد الساحة لضم أراضي كبيرة في الضفة، وهذا ما يروج له السفير الأمريكى الصهيونى فريدمان، والمبعوث الأمريكى اليهودى جرينبلات.

فيما لا تقل السياسة الإسرائيلية بالتأكيد عن السياسة الأمريكية، ضد الفلسطينيين في الشأن الإقتصادى، حيث تتعطل وتتقطع كل الحقوق المالية الفلسطينية لدى إسرائيل بحجج لا تتوقف، وزادت جدا القوانين الإسرائيلية المتعنتة في هذا الإطار خلال الفترة الأخيرة.

وليس بعيدا عن ذلك، وصولنا لمحطة المساعدات المالية لقطاع غزة، بحجة دعم أهالى غزة الذين يعانون من الحصار، لكنه في المقابل تأصيل لانفصال القطاع عن الضفة، ودعم من إخوان قطر لإخوان غزة، برعاية إسرائيلية، مما يضر بالقضية الفلسطينية والأمن القومى المصرى، حيث تتزايد الأدلة حول استخدام بعض هذه الأموال في تمويلات عمليات إرهابية في سيناء، بشكل مباشر أو غير مباشر.

*الانتخابات الأمريكية
وضمن البيئات المختلفة المتعلقة بالحدث، فإن ترامب وإدارته تحول بأية طريقة أن تقدم استعراضا ما لإنجاز، حتى لو كان مشوه، كما هو الحال الآن، فيما هو واضح من صفقة القرن، وهو مشغول بشكل أو بآخر بالحملات الانتخابية للبقاء في البيت الأبيض لولاية ثانية، رغم كل الجدل المثار حوله.. وبديهيا، وكما تعاملت كل الإدارات الأمريكية,الجمهورية منها بالذات، مع الشرق الأوسط، على إنه لديه إكسير البقاء في البيت الأبيض، إما بإفتعال أزمة فيه، كما هو الحال في الأزمة الإيرانية، أو إحداث تقدم ما يرضي الإسرائيليون في عملية السلام، لكن الصورة الذهنية للوبيهات الصهيونية الأمريكية وحلفائها تغيرت بشكل ما خلال الفترة الأخيرة، ولم يعد الإيباك المسيطر فقط على القوة الصهيونية الأمريكية، بل ظهرت قوى أخرى محركة، فهل يطربها ما يفعل ترامب بفريقه اليهودى في العملية السياسية بالشرق الأوسط، خاصة إن الحزب الديمقراطى ومرشحيه للرئاسة الذي أعلنوا عن خوض غمار السباق يلعبون على وتر فشل وتخبط إدارة ترامب في هذا الملف، بل ويهاجمون نتنياهو بسبب قراراته، التى وصفوها بإنهاء مدمرة السلام.. وسط توقعات بأن يكون لهم دورا ما في الانتخابات الإسرائيلية المرتقبة .

*الانتخابات الإسرائيلية
وبالحديث عن الانتخابات الإسرائيلية، التى تفصلنا عنها أقل من ثلاثة أشهر، بعد أسرع كنيسيت في تاريخ الكيان الصهيونى، فإنها كانت مفجرة بشكل ما لخطط إدارة ترامب في ملف صفقة القرن، وبالتالى كانت التصريحات الأمريكية وإلى الآن، معبرة عن صدمة حقيقة حيال ذلك، وتقف وراء نتنياهو وضد ليبرمان لتشكيل إئتلاف إسرائيلى قوى بقيادة حليفها الخبير نتيناهو لينجزا معا ما بدأوه، خاصة إن هدية نتنياهو لترامب بمستوطنة على إسمه تعنى الكثير للطرفين، ولها إسقاطات عديدة معقدة.

ولاتزال تسيطر الضبابية على الانتخابات الاسراييلية، لكن البادى بشكل كبير أن الأمر لن يتغير بشكل كبير، وتستمر حالة الاستقرار الإسرائيلية، المقصودة من أطراف ما، تتهم روسيا بأغلبها، لكن العديد من الأطراف الدولية مستفيدة بما يحدث في إسرائيل، ليست منها إدارة ترامب بالطبع.

*المواقف العربية
وعربيا، فإن حالة الارتباك السياسي مفيد، لكنه على الأقل ضامن لعدم صدور قرارات سلبية، حيال القضية الفلسطينية وثبوت الأمن العربي، خاصة أن الأمر لم يعد يطال الفلسطينيون فقط.. لكننا لا يمكننا تغييب استمرار إدارة نتنياهو في عمليات الضم، في كل الأحوال إن كانت حكومة منتخبة، أو حكومة تسيير أعمال .

*المواقف الدولية
والواضح أن الأدوار الأوربية والصينية والروسية والإقليمية والعربية، ليست أقل ارتباكا من الإسرائيليين والأمريكيين، لكن إجمالا بعض المواقف من العواصم الأوربية والصينية والروسية لاتزال لصالح العرب بشكل أو آخر، ومنها إفشال التدافع، الذي توقعه نتنياهو من دول العالم لنقل سفاراتهم للقدس المحتلة، فوق إعتراف ترامب بها.. وأيضا عدم رفع سقف الطموحات من ورشة عمل المنامة، فكانوا من مسببات تراجع الحدث من مؤتمر لمجرد ورشة.

*الأزمة الإيرانية
لكن من ضمن الأسئلة المطروحة على الساحة، على خلفية الأزمة الإيرانية، هل تسكت طهران، وتمرر ورشة عمل المنامة، دون ما يسمونه بإستفزازات ما، أم هل تكون مواجهة ما قبل الورشة، على صعوبة هذا السيناريو بالتأكيد، فإيران تسير على كسارة التهدئة الدبلوماسية والتصعيد النووى، لكنها لن تسلم من التحرشات الأمريكية، التى تؤخر ضربتها لوقت تفضله.. تحدده مع الإسرائيليين طبعا، خاصة إن الجيش الإسرائيلي يركز في مناوراته خلال الفترة الأخيرة داخل وخارج إسرائيل على المواجهة على عدة جبهات وبأسلحة متطورة وعادية، وسط احتمالات لاحتدام المشهد حتى يصل لحرب ثلاثية بين إيران وحزب الله والفصائل في غزة.

• الموقف المصرى
وأخيرا، مصريا، فالرئيس المصرى والدولة المصرية يشددا باستمرار على الثوابت المصرية والعربية في هذا السياق، ولا تراجع أو تنازل فيها، لكن المشاركة المصرية في ورشة المنامة، تقلق الفلسطينيين، حتى اضطر المصريون لطمأنتهم، فيما نالت القاهرة عدة تطمينات من الأمريكان بعدم المساس بسيناء في صفقة القرن، وشدد الفلسطينيون على عدم أية دولة خارج أراضيهم التاريخية مهما كانت الاغراءات المالية، وتوالت من بعدها التطمينات للأردنيين، لكن الجميع غير مطمئن، والقاهرة مستعدة لكل السيناريوهات ، والتى منها اندلاع انتفاضة جديدة بسبب التجويع والإجحاف الأمريكى والإفقار الإسرائيلى، خاصة إن إسرائيل ترتب المشهد ليس لذلك فقط، ولكن ما بعد ذلك أيضا، وهو سقوط السلطة الفلسطينية تفككها، وهو خطر كبير على كل الأطراف.. لكنهم يدفعون لذلك حتى آخر متر، فهل لديهم القدرة على السيطرة على الفوضى وقتها وإجبار الفلسطينيين على ما لا يستطيعون إجبارهم عليه في المنامة، خاصة إنهم مقاطعون من البداية، وصع في غاية الصعوبة والتعقد، لا يحمل أية إيجابيات، إلا فقط في حالة اللاستقرار السياسي في إسرائيل، لأنه دونه كانت الأمور، ستكون أكثر تعقيدا من ذلك.

*آلية المواجهة
وحتى تكون المصائب أقل من المتوقع، يجب أن تكون كلمتنا واحدة في ورش المنامة، وأساسها ترديد المطالب الفلسطينية، لأن الفلسطينيون مقاطعون ولن يكونوا موجودين وقتها.

وسط تساؤلات حول الفائدة الأكبر للجانب الفلسطينى ، هل بالمقاطعة من البداية أم الحديث بإسم الفلسطينيين لتسجيل الرفض أمام العالم.. وأنا أراها في المقاطعة، فكانت هناك مشاركات مماثلة ولم يتغير المشهد للإيجابية، بل بالعكس ،والأغلبية اقروا المقاطعة إسلوبا أقوى ، حتى لا تحصل هذه الورشة على الشرعية الكاملة، وبالتالى تكون مجرد فقاعة وانتهت.. وحتى يتحقق هذا السيناريو الصعب ، الأمر يحتاج من العرب لتوحيد كامل للصف، رغم البرجماتية المتوقعة، والآلاعيب القطرية غير المستبعدة، والمسئولية ستكون أكبر بالتأكيد على مصر في هذا الإطار ، ويجب أن يتحقق بدور أمور سلبية على مصر.

• المكسب الأكبر لهم

يتمثل المكسب الأكبر للأمريكان والإسرائيليين من ورشة المنامة ، في شرعنة بشكل أو آخر لصفقة القرن ، وتأتى من هنا الخطورة الحقيقية ، بما فيها من محاور تضرب ثبوت الأمن القومى العربي والمصري ، بخلاف تجاوزنا مرحلة التطبيع الخفي والمتحفظ للمعلن المهرول بلا حساب ، والحجة الأشهر هى العداء المشترك بين إسرائيل ومعسكر الدول العربية السنية المعتدلة لإيران .. وبالتالى علينا كعرب أن نتعامل مع هذه الحجة بشكل أكثر ذكاء، خاصة أنها تفيد الإسرائيليين والإيرانيين أكثر من العرب والمصريين .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط